أسعار النفط والمعادن تتراجع مع انخفاض أسعار الغاز والفحم

الدوحة- بزنس كلاس:

سجلت أسواق وقطاعات السلع المختلفة نتائج متباينة خلال الأسبوع الأخير من أكتوبر. وبدأ المستثمرون خلال الشهر بالتعامل مع المخاطر إلى حد ما، نظراً لكمية البيانات الواردة والتي تشير إلى تباطؤ النمو في جميع أنحاء العالم. وجاء هذا التباطؤ مدفوعاً بشكلٍ مباشر بارتفاع أسعار السلع، ولا سيما الارتفاع الأخير في أسعار الوقود الأحفوري الذي أجبر العديد من الصناعات ذات الاستهلاك الكثيف للطاقة على خفض مستويات الإنتاج. كما ساهم الانخفاض الحاد في أسعار الفحم والغاز في تراجع الانتعاش الذي حظي به النفط الخام والمعادن الصناعية.

 

وشهد منحنى العائدات تقلباتٍ واضحة في العديد من الاقتصادات الكبرى، بعد إدراك المستثمرين لأهمية الدور الذي يلعبه ارتفاع التضخم في إجبار البنوك المركزية على تخفيض أسعار الفائدة في وقت أقرب بكثير من التوقعات السابقة. وكنتيجة لذلك، تسطحت منحنيات العائدات، وانعكست في بعض الحالات خلال الأسبوع الماضي، ما يشير إلى أن المتداولين يتجهون بشكل متزايد لاعتماد نمط تسعير بنمو أبطأ في ظل تشديد البنوك المركزية لشروطها النقدية. وقادت تداعيات هذه التطورات إلى تغييرات في سعر صرف العملات مقابل الدولار، الذي سجل انخفاضاً للأسبوع الثالث على التوالي.

 

وجاءت المكاسب التي تحققت الأسبوع الماضي مدفوعةً بشكل أساسي بالقطاع الزراعي؛ حيث ساهمت التوقعات بتعرّض المنطقة لظاهرة نينيا أخرى هذا الشتاء بارتفاع أسعار العديد من السلع الغذائية الرئيسية. وسجل قطاع الطاقة نتائج متباينة في ظل حالة الجمود التي شهدها النفط الخام متأثراً بالانخفاض الحاد في أسعار الغاز والفحم والتي ساهمت بتراجع الدعم المحتمل من التحول من الغاز إلى النفط، الذي تم اقتراحه في الأسابيع الأخيرة بهدف إضافة مليون برميل يومياً من الطلب خلال الأشهر المقبلة.

 

واختتمت المعادن الصناعية شهراً من التقلبات بانخفاض في الأسعار بعد أن تخلّت عن بعض مكاسبها القوية الأخيرة وسط مخاوف بشأن النمو والطلب، ما يساهم في تأجيل التوقعات الإيجابية للقطاع على المدى القريب. وخسر مؤشر بورصة لندن للمعادن في النصف الثاني من الشهر أكثر من نصف المكاسب التي حققها، بعد ارتفاعه بنسبة 15% ليسجل مستوى قياسي خلال النصف الأول من الشهر. فيما ساعد انخفاض أسعار الفحم بالصين إلى النصف تقريباً في تعزيز تراجع أسعار الألمنيوم، وهو المعدن الأكثر استهلاكاً للطاقة في الإنتاج.

 

وأورد مؤشر بلومبرج في أحدث بياناته: “تعدّ التقلبات التي سجلتها سوق النحاس هذا الشهر مثالاً واضحاً على تأثير الاضطرابات اللوجستية وأزمة الطاقة العالمية على واردات أسواق السلع. وفي ضوء تضاؤل المخزون، يتم تداول الأسعار الفورية بفروقات باهظة للعقود الآجلة في خمس من أصل ست أسواق رئيسية للمعادن تتابعها بورصة لندن للمعادن، ما يشير إلى تراجع قدرة المشترين على الشراء”.

 

هل استقرت أسعار السلع؟ تشير التوقعات إلى صعوبات وتحديات كبيرة يواجهها النمو العالمي، ما يثير تساؤلات حول تأثير ذلك على ارتفاع الأسعار القوي التي سجلته السلع هذا العام. لا نعتقد بأننا سنشهد تراجعاً بالأسعار في ظل الإقبال المتزايد على التحول لاستخدام الطاقة الصديقة للبيئة الذي ننتظر انطلاقه، في وقت يواصل القطاع فيه التركيز على الاستثمار في مبادرات حوكمة الشركات والمسؤولية الاجتماعية والبيئية التي تحدّ بدورها من جاذبية قطاعات الاقتصاد القديمة، وخاصةً التعدين وإنتاج النفط، لتأمين مصادر التمويل اللازمة لضمان مستوى كافٍ من العرض خلال السنوات القادمة.

 

ولا تعتمد أسعار السلع الأساسية على الطلب فحسب، وإنما بشكلٍ متزايد على توافر العرض أيضاً، لتسجل العديد من السلع الفردية انكماشاً واضحاً بالنظر إلى العوامل المذكورة سابقاً. ويبرز هذا الانكماش بوضوح في الرسم البياني أدناه الذي يوضح النسبة المئوية للفرق بين أسعار التسليم الفوري والأسعار الآجلة لعام واحد؛ حيث تدفع مستويات التراجع الحادة السوق إلى اعتماد سياسات أكثر تشدداً مع المشترين المستعدين أو المجبرين على دفع سعر أعلى للتسليم الفوري.

 

ودفعت التوقعات بتشدد أسواق الغاز خلال فصل الشتاء في نصف الكرة الشمالي إلى زيادة أسعار الغاز الطبيعي المتداول في الولايات المتحدة لمدة عام بنسبة 23% تقريباً. كما وصل مستوى التراجع عبر خمسة عقود آجلة للنفط الخام ومنتجات الوقود إلى أكثر من 9%، وهو مستوى لم نشهده منذ عام 2005 على الأقل حتى لو استبعدنا الغاز الطبيعي. وتشهد المعادن الصناعية حالياً، كما ذكرنا، ذات التطورات مع ارتفاع متوسط التراجع لأسعار النحاس والألمنيوم والنيكل والزنك إلى أعلى مستويات منذ عام 2007.

 

ومن جانبه، أظهر النفط الخام إشارات إلى تراجع الزخم خلال الأسبوع الماضي، وعلى الرغم من أننا لا نتوقع حدوث تغير في الاتجاه، فقد تشهد السوق فترة من التماسك قبل استعادة الزخم من جديد مع اقتراب نهاية العام. وتتعدد دوافع عملية التصحيح، بصرف النظر عن قيام المضاربين بتقليص عمليات الحيازة طويلة الأجل، فبينما يرتبط البعض مباشرةً بأسواق النفط، تلعب عوامل أخرى دوراً هاماً مثل الصين والرئيس الروسي والحكومة الألمانية.

 

ارتفعت الأسعار في سوق الطاقة العالمية حتى هذا الأسبوع تزامناً مع ارتفاع حاد سجلته أسعار النفط والغاز والفحم، ما سبب زيادةً واضحة في أسعار معظم أنواع الوقود التي وصلت لمستويات قياسية لم نشهدها طوال سنوات. وجاء نقص معروض الغاز والفحم في أوروبا وآسيا، الذي قاد إلى ارتفاع الأسعار التي انعكست بدورها على تباطؤ النمو خلال الأسابيع الأخيرة، كأحد الأسباب الرئيسية الكامنة وراء المكاسب الإضافية التي حققتها أسعار النفط الخام. وتشير التقديرات إلى أن زيادة الطلب على الديزل وزيت التدفئة والبروبان على حساب الغاز سترفع الطلب العالمي على النفط الخام بما يصل إلى مليون برميل يومياً.

 

وتُعزى الأسباب الكامنة وراء تصحيح سعر النفط الخام الذي شهدناه خلال هذا الأسبوع إلى هذه التطورات الرئيسية:

 

  • اتفاق إيران والاتحاد الأوروبي يوم الأربعاء على استئناف المفاوضات النووية، ما قد يثمر عن زيادة معروض النفط. فقد وصل إنتاج إيران إلى 3.8 مليون برميل من النفط يومياً، بزيادة 1.3 مليون برميل يومياً عن مستويات الإنتاج الحالية قبل قيام ترامب بإعادة فرض العقوبات في عام 2018.
  • أشار تقرير المخزون الأسبوعي الصادر عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إلى زيادة غير متوقعة في مخزون النفط الخام، وعلى الرغم من توافق هذه الزيادة مع التوقعات الموسمية، أثار انخفاض المخزون المستمر في كوشينج بأوكلاهوما بعض المخاوف بشأن التوافر في مركز التوزيع الهام للعقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط.
  • انخفاض أسعار الغاز متأثرةً بوعود الرئيس بوتين بشأن زيادة إمدادات الغاز، وربما تصريح وزارة الاقتصاد الألمانية بأن شهادة نورد ستريم 2 لن تشكل خطراً على أمن إمدادات الاتحاد الأوروبي. يتم تداول عقود الشهر الأول في المركز الهولندي تي تي إف إلى ما دون 70 يورو/ميجاواط ساعي أو 23.5 دولار للمليون وحدة حرارية بريطانية، وهو المستوى الذي سيبدأ فيه الطلب على التحول من الغاز إلى النفط بالتراجع.
  • تشهد أسعار الفحم في الصين انخفاضاً تلمس بقية دول العالم نتائجه، بعد أن كثّفت الحكومة جهودها لتأمين إمدادات الطاقة من خلال كبح جماح الأسعار، إلى جانب تحفيز شركات التعدين على زيادة الإنتاج. وقد انخفضت العقود الآجلة للفحم الحجري والفحم الحراري في الصين بنحو 45% خلال الأيام التسعة الماضية.

 

 

لم تشهد التوقعات الأساسية القوية التي تدعم ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري حتى عام 2022 أي تغيير يذكر، إلا أن التطورات الأخيرة تسلط الضوء على نوعية التقلبات التي قد تسجلها هذه الأسواق في حالات عدم اليقين المرتبطة بالعرض والطلب.

المعادن الثمينة: بقيت أسعار الذهب ضمن نطاق محدود مدعومةً بتراجع العائدات الحقيقية الأمريكية في بداية الأسبوع، والتي انعكست بشكل حاد قبيل عطلة نهاية الأسبوع، وساهم ضعف الدولار بتعويض التأثير السلبي الأخير جزئياً. وتحافظ التوقعات الفنية على حياديتها مع استمرار نقص معروض الطاقة اللازم لكسر عتبة 1813 دولار قبل المستوى الكبير عند 1835 دولار. ومع استمرار هذه الحالة فإن السعر معرض للهبوط، على الأقل بالنظر إلى المكاسب المذكورة سابقاً من السلع الأخرى خلال الأسبوع الماضي.

 

كما قاد التراجع في أسعار المعادن الصناعية في نفس الوقت إلى تجدد التقلبات في أسعار الفضة؛ حيث ارتفعت نسبة أسعار الذهب إلى الفضة إلى 75 (أونصة من الفضة مقابل أونصة واحدة من الذهب) من أدنى مستوى لها مؤخراً حول 73. وساعد مزيج من ارتفاع أسعار المعادن الصناعية وضعف الدولار وتوقعات التضخم المتزايدة في الأسابيع الأخيرة على دعم الفضة لتسجل أعلى مستوى لها في ستة أسابيع قبل موجة البيع الأخيرة، مما حدّ من إمكاناتها على المدى القريب. وتحافظ الأسعار على ثباتها عند عتبة 24.85 دولار، بينما يتعيّن الحصول على الدعم حول 23.40 دولار.

 

وبدأت أسعار السلع الزراعية بالارتفاع مرة أخرى بعد بضعة أشهر من التداول محدود النطاق، وسجلت أسعار معظم السلع في القطاع زيادة ملحوظة خلال الأسبوع الماضي مع ارتفاع أسعار الحبوب والسلع الخفيفة. وبينما حققت الذرة أفضل أداء وارتفعت أسعارها لتسجل أعلى مستوى منذ شهرين، جذبت الزيادة المستمرة في أسعار القمح العالمية اهتماماً غير مرغوب فيه. ويعدّ القمح، إلى جانب الأرز، أحد أهم السلع الغذائية العالمية، وسيثير ارتفاع العقود الآجلة للقمح في كل من شيكاجو وباريس إلى أعلى مستوياتها خلال ثماني سنوات مخاوف المشترين الرئيسيين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والصين، التي تعدّ أحد أكبر مستوردي القمح في العالم.

 

وانخفضت الاحتياطيات العالمية هذا العام وسط موسم نمو متقلّب في بعض مناطق الإنتاج الرئيسية في أمريكا الشمالية وروسيا وأوروبا. وفي ضوء عمليات الشراء القوية خلال الأسابيع الماضية، يسعى بعض من أبرز المستوردين إلى الاستحواذ على الإمدادات العالمية المحدودة وبالتالي استنزاف الصوامع قبل موعد ظاهرة النينيا المتوقع حدوثها خلال الأشهر المقبلة. وقد تشهد هذه الفترة تحدياتٍ أخرى تتمثل بارتفاع التكاليف نتيجة لزيادة أسعار الديزل، إلى جانب ارتفاع أسعار الأسمدة التي قد تقود بدورها إلى تدهور المحاصيل المستقبلية مثل الذرة والقمح. وبينما تبرز في الأفق توقعات بمحاصيل جيدة في أستراليا والأرجنتين، فإن القلق بشأن الإمدادات قد يحافظ على ارتفاع الأسعار بالوقت الراهن.

بقلم أولي هانسن، رئيس استراتيجية السلع لدى ساكسو بنك

المصدر: مجموعة ساكسو

 

 

 

 

السابق
جراندويلد لبناء السفن توقع عقدًا مع ستانفورد مارين لبناء قاربين من طراز “جراند سوبيريور” للطواقم البحرية
التالي
“الفيفا” يُعَيّن سيدة قطرية في لجنة فض المنازعات