تلقت ألمانيا الهزيمة الأكبر من هولندا بتاريخ مواجهات الفريقين… لم يحصل هذا لا من جيل كرويف..ولا جيل ريكارد وفان باستن وغوليت…ولا حتى من جيل كلويفرت وأوفرمارس ونستلروي بل بجيل يضم مجموعة من الشبان المميزين إضافة للاعبين بعيدين عن الأضواء أوروبياً فألمانيا التي أحبطت الجيل الذهبي لهولندا بنهائي كأس العالم 1974 وتعادلت بأسوأ أيامها مع أحد الأجيال الجميلة لهولندا بـ2004، بذات البطولة التي تعادل فيها الألمان مع لاتفيا، باتت اليوم قابلة للسقوط بالثلاثة ومع أداء دفاعي كارثي ولو أن الأمر اليوم لم يعُد يتعلق بالنتيجة فقط بل يرتبط بتكرار ذات المشاكل بكل لقاء.
مباريات ألمانيا باتت كأنها نسخة شبه متطابقة، فرص كثيرة تُهدر بشكل غريب ومن ثم يتلقى الفريق هدفاً ويستمر بعده بإهدار الفرص إما حتى نهاية اللقاء أو إلى أين يتلقى هدفاً آخراً، ما يتغير بين السيناريوهات هو قدرة الخصم على استثمار الفرص والتسجيل أما بالنسبة للألمان فسيناريو الإهدار ثابت دائماً والفريق لم يجد طريق الشباك إلا بمباراة واحدة من آخر 5 مباريات رسمية خاضها!
صلب المشكلة هو المدرب يواكيم لوف، فالرجل الذي قدم لألمانيا جيلاً خارقاً في 2010 ونجح بتحقيق اللقب في 2014 لم يعُد قادراً على تقديم المزيد أو الأصح لم يعُد قادراً على الخروج من أزمة كأس العالم فحتى بالمؤتمرات الصحفية مازال يتحدث عن ذكريات البطولة وتأثيرها عليه وعلى فريقه… ببساطة لوف لم يستوعب حتى الآن أن كأس العالم انتهى وأن لاعبوه بحاجة لمن يُخرجهم من أزمة وذكريات البطولة وليس لمن يبكي معهم! المشكلة أن القضية لا ترتبط بلوف لوحده فالاتحاد الألماني يمر بأسوأ أيامه منذ عهد طويل مع الشخصية السيئة لرئيس الاتحاد، صاحب المطامع السياسية، راينهارد غريندل والذي لا يفكر إلا بكيفية الحفاظ على شعبيته.
في كل مباراة يجرب لوف شيئاً جديداً ومع كل تجربة تغرق ألمانيا أكثر وأمام هولندا وصل لوف لذروة التجريب..كيميش عاد للمركز الذي تركه منذ انتقاله لبايرن وفيرنير عاد للمركز الذي كان يشغله قبل حوالي 3 سنوات أما تشان فتحول فجأة للعب خلف المهاجم وأوث أصبح رأس حربة صريح لوحده كل هذا يُضاف لتواجد غينتير خارج مركزه، ولو أنه كان الأفضل بالخط الخلفي، إضافة للتراجع الواضح بأداء هوميلس وبواتينغ وهيكتور وأمام كل هذه المشاكل يصبح من المنطقي ألا تدافع ألمانيا بشكل جيد…كيف لا وتيمو فيرنير يعود من الأمام كي يمنع انفراداً هولندياً مرتين!
سيناريو اللقاء كاد أن يتغير طبعاً لو استثمر الألمان فرصهم خاصة حين كانت النتيجة هي التعادل السلبي فيجب ألا ننسَ الفرص العديدة التي أُتيحت لكن هذا السيناريو حدث ذاته بلقاء المكسيك بكأس العالم ومن بعده لقاء كوريا ومن ثم فرنسا والفرص تنوعت بين عدد كبير من اللاعبين ومع توتر واضح ظاهر على الجميع لذا لم يعُد الأمر مرتبطاً بمباراة أو لاعب واحد بل بات لوف يتحمل مسؤولية ما يحدث فحين يخفق جميع اللاعبين بتكرار ما يقدموه بأنديتهم مع المنتخب يصبح المدرب هو المسؤول الأول عن هذا الإخفاق.
سابقاً كانت أهم مزايا لوف هي معرفته القوية بقدرات كل لاعبيه وكنا نشاهد أن معظم لاعبي المانشافت يقدمون مع المنتخب مستوى أفضل حتى من أنديتهم لكن اليوم يبدو أن معرفة لوف باتت ضئيلة وتفكيره بمن الذين سيكونون ضمن قائمة الـ23 بات يشغله أكثر من التفكير بمن سيلعب أساسياً حيث قضى 3 مباريات بكأس العالم وهو يجرّب خياراته ومازال يواصل التجريب حتى اليوم.
توني كروس أصبح يرتكب أخطاءً بالجملة بالوسط وبواتينغ وهوميلس يقدمون استمراراً للتراجع بالمستوى وهيكتور يسير على ذات الطريق، حتى فيرنير الذي يتطور بشكل مستمر مع لايبزيغ مازال يراوح مكانه مع المانشافت في حين رضي لوف أخيراً على ساني وأعطاه بعض الدقائق التي أظهر فيها الشاب إمكانيات ممتازة لكنه لم ينجح بإصابة المرمى، كل هؤلاء يوجهون أصابع الاتهام للوف الذي كان بإمكانه الاعتماد على ثلاثي شاب متألق يضم براندت وهافيرتز وساني لكنه فضل الاعتماد على أسمائه التقليدية مثل مولر ودراكسلر الذي يفتقد لحساسية التسديد إضافة لأوث الذي ضحى به المدرب ورماه أساسياً بمركز رأس الحربة في أول مباراة دولية بمسيرته.
كل هذا الكم من التجريب بالمراكز لا يقوم به حالياً إلا مدرب واحد وهو مدرب يوفنتوس أليغري الذي حول كوادرادو لظهير أيمن وخضيرة للاعب وسط هجومي وبارزالي لظهير أما العقم الهجومي لفريق كان بطل العالم قبل 4 سنوات وبطل القارات قبل سنة فيذكرنا بما يحدث مع ريال مدريد الذي يفتقد للمهاجم بعد رحيل رونالدو وهو ذات المركز الذي يبحث عنه المانشافت ويمكن القول أن لوف وجد المزيج بين فوضى أليغري وحال ريال مدريد السيء…بمعنى آخر يجمع لوف أسوأ ما يمكن لجمهور المانشافت أن يتخيله.
قدم لوف الكثير للمنتخب، منذ أن بدأ العمل مساعداً لكلينسمان في 2004 ووصولاً للفوز بالقارات 2017 عاش المدرب سنيناً رهيبة من المجد جعلت الجميع يقول بأنه لا يتخيل منتخب ألمانيا دون لوف لكن لكل مسيرة نهاية وبما أن لوف غير قادر على الخروج من أزمته فربما الأفضل أن يذهب للراحة استعداداً لتجربة جديدة بمسيرته ويترك مكانه لرجل قادر على استثمار كم المواهب الكبير الموجود بألمانيا فلو استمر الفريق بالاعتماد على نجوم كأس القارات كان بالتأكيد لن يظهر بهذا السوء دون أن ننسَ وجود الكثير المواهب الشابة فألمانيا لا تعاني من أزمة كروية وتملك نجوماً بكل المراكز عدا رأس الحربة ولو أن فيرنير يحقق نجاحاً كبيراً مع لايبزيغ لكن الأزمة الحالية هي بطريقة توظيف واستثمار قدرات هؤلاء النجوم.
في 2014 كان لوف مرشحاً لجائزة أفضل مدرب بالعالم، التي فاز بها لاحقاً، وخلال المؤتمر الذي سبق حفل توزيع الجوائز تم توجيه سؤال واحد للمرشحين الثلاثة، لوف وأنشيلوتي وسيميوني، وكان السؤال هو ما أهم عامل يجب أن يتوفر بالمدرب كي ينجح وبالوقت الذي ركز فيه سيميوني وأنشيلوتي على ضرورة المداورة والتكتيك قال لوف أن المدرب يجب أن يكون عالم نفس، اليوم لوف الذي كان يتغنى بتركيزه على العامل النفسي بات هو بحاجة لمن ينتشل نفسيته من الحالة السيئة التي يعيشها وربما هذا هو الدليل الأخير على عدم قدرة المدرب على الاستمرار أكثر…شكراً لوف على 12 عاماً من النجاح والفكر الكروي الجميل لكنها النهاية