وكالات – بزنس كلاس:
في محاولتها لصرف الانتباه عن عمق المأزق الذي وضعت نفسها به، زجّت إمارة أبوظبي باسم قطر مجدداً في أزماتها مع دول المنطقة، حيث زعمت وثيقة سرية من الخارجية الإماراتية، بأن الدوحة تقف وراء الغضب التونسي تجاه إهانة شركة «طيران الإمارات» لنساء تونس بعد منعهن من السفر على طائراتها.
وذكرت الوثيقة التي نشرها موقعي «عربي 21» اللندني و«الصدى» التونسي، وتحمل عنوان «محددات إدارة الأزمة مع تونس والخطوات اللازمة لاحتوائها» أن قطر تقف وراء ما أسمته بـ «الحملة ضد الإمارات»، لترويج الشائعات عن أن أبوظبي تستبق خطة خليجية لمعاقبة تونس على انفتاحها على الدوحة وأنقرة.
وتتكهن الوثيقة بأن الهدف من الحملة هو شحن الرأي العام المحلي (التونسي) للاصطفاف وراء قطر وتركيا «اللتين خسرتا تعاطف الشار التونسي بشكل واسع».
ويعود تاريخ الوثيقة إلى يوم السابع والعشرين من ديسمبر 2017، وهي صادرة عن «إدارة تخطيط السياسات» في وزارة الخارجية والتعاون الدولي بدولة الإمارات، وموجهة بشكل حصري وسري إلى خمسة مسؤولين كبار فقط، على رأسهم وزير الخارجية الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، ووزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش.
توصيات رسمية
وكشفت الوثيقة -التي تضم 4 صفحات- عن مخطط أبوظبي للتعامل مع أزمة تونس، في ثماني توصيات، لكنَّ أهم وأبرز هذه التوصيات الثمانية أن الوثيقة توصي الخارجية بـ «تحريك جمعيات ومواقع إعلامية داخل تونس؛ لقلب النقاش ضد حركة النهضة، بزعم أنها المسؤولة عن الأعداد الكبيرة من الداعشيات التونسيات اللاتي أصبحن يُسئن للمرأة التونسية وصورتها التقدمية في الأذهان»، وذلك بحسب النص الذي جاء في الوثيقة.
وتكشف هذه التوصية كيف تدفع الإمارات الأموال لبعض وسائل الإعلام في العالم العربي؛ من أجل الخلط بين قوى الإسلام السياسي الديمقراطي وبين تنظيم الدولة الذي يجند الانتحاريين، وينفذ العمليات الإرهابية في دول عربية وغربية، وهو ما توصي به الوثيقة التي تريد تحويل الغضب الشعبي التونسي تجاه دولة الإمارات إلى جدل حول حركة النهضة، التي يتزعمها الشيخ راشد الغنوشي، والتي تمثل ما بات يعرف بالتيار الديمقراطي الإسلامي، والذي تلقى أطروحاته رواجاً في العالم الإسلامي، بما في ذلك دول الخليج العربي.
وجاء في التوصية الأولى بالوثيقة «استبعاد فرضية الاعتذار لتونس؛ كون الاعتذار يُسيء لصورة دولة الإمارات؛ لأن الأمر يتعلق بقرار أمني سيادي، يجب التمسك به، وعدم الالتفات إلى مطالب الاعتذار».
أما التوصية الثانية، فهي «ضرورة الانتباه إلى الطريقة التي يُوظف بها إخوان النهضة هذه الأزمة، وكيف يهاجمون دولة الإمارات، فسُمية الغنوشي هاجمت دولة الإمارات، وربطت القرار السيادي الإماراتي بكونه ضد ما سمّته «الربيع العربي»، علماً أن الإمارات تتعمد الخلط باستمرار بين النهضة والإخوان، وتخوض معركة شرسة ضد التوجهات الديمقراطية في المنطقة.
وتضيف الوثيقة أن «السبسي وحكومته لا ينتبهون إلى أن طلب اعتذار من دولة الإمارات يخدم مصلحة حركة النهضة، التي ستوظف تصعيد الأزمة لإعادة الانتشار داخلياً قبل الانتخابات المقبلة»، على حد تعبير الورقة.
وتشكل هذه التوصية الثانية حثاً على التدخل في الشؤون الداخلية لتونس، وتحريض حزب «نداء تونس» -الذي ينتمي له الرئيس السبسي- ضد حركة النهضة الإسلامية، والإيحاء إلى الرئيس السبسي بأن تصعيد الأزمة سوف يخدم منافسيه في الانتخابات المقبلة.
ورأت «الخارجية الإماراتية» في التوصية الثالثة بالوثيقة أنه «من المهم لوزارة الخارجية الإماراتية أن تربط بين قرارها وفكرة التدخل الأمني الوقائي والاستباقي، وأن تعتبر أن القرار يدخل ضمن الإجراءات الزمنية الاحترازية المؤقتة، التي قد تُرفع بعد زوال الخطر؛ فالأمر يتصادف مع حركة تنقّل المقاتلين الإرهابيين الأجانب عبر المطارات، كما أنه يتصادف مع المعلومات التي تشير إلى أن تنظيم داعش أصدر أوامره بتوظيف النساء في عملياته الإرهابية، بعد الحصار المضروب على المقاتلين الإرهابيين الذكور».
وتلفت التوصية الرابعة إلى ضرورة «الانتباه إلى أن الإضرار بموقف حزب نداء تونس سيصبّ في مصلحة حركة النهضة؛ لذلك يُوصى بعدم إضعاف موقف الرئيس السبسي وحزبه. ومن هنا، ضرورة ابتعاد الخطاب السياسي والإعلامي الإماراتي عن أي تهديد مباشر أو غير مباشر لمصالح التونسيين المقيمين في الإمارات، الذين يُقدّر عددهم بنحو 28 ألفاً». بما يوحي بأن الإمارات وضعت على رأس أهدافها مواجهة «النهضة»، وفي الحد الأدنى محاصرتها وإضعافها.
أما التوصية الخامسة في الوثيقة، فهي «الاستمرار في تكرار التوضيح الإماراتي الهادئ، بخصوص أن دولة الإمارات تقدّر عالياً أواصر الصداقة والأخوّة مع أشقائها في تونس، وأنها تكنّ بالغ الاحترام لمكانة المرأة التونسية في بلدها، ودورها الريادي والتقدمي في جميع المجالات، وأنها حريصة على أن تظل تونس بلداً صديقاً لدولة الإمارات».
وبدأت الإمارات في تنفيذ هذه السياسة فعلاً، من خلال تعليقات لشعراء وشخصيات مقربة من أبوظبي تثني على تونس ونسائها، بهدف امتصاص موجة الغضب.
ودعت الوثيقة في التوصية السادسة إلى «استمرار الترحيب الإماراتي بتصريحات الناطقة باسم الرئاسة التونسية سعيدة قراش، التي قالت فيها إن ما يحدث بين تونس والإمارات لا يرقى إلى حدود الأزمة الدبلوماسية، وإن الأمور بينهما لا تُدار بروح عدائية. وكذلك إبراز تصريحات السفير التونسي في الإمارات، التي قال فيها إن العلاقات الإماراتية التونسية متينة وصلبة، وهي أقوى من أي إشكالية ظرفية».
كما دعت الوثيقة في التوصية السابعة إلى «الابتعاد الإعلامي عن مهاجمة زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تونس؛ لأن الحكومة التونسية ستردّ بأن هذا قرار سيادي»، على حد تعبير الوثيقة.
أما في التوصية الثامنة -وهي الأخطر- فتقول الوثيقة: «من الممكن تحريك جمعيات ومواقع إعلامية داخل تونس لقلب النقاش ضد (النهضة)؛ لكونها المسؤولة عن الأعداد الكبيرة من الداعشيات التونسيات اللواتي أصبحن يُسئن إلى المرأة التونسية وصورتها التقدمية في الأذهان»، بما يؤكد فعلاً أن الإمارات تراهن على تحريك شبكاتها الإعلامية والسياسية لاستخدام ملف الإرهاب ضد «النهضة»، والعمل على تشويه صورتها لدى الرأي العام التونسي والدولي.
مضامين إماراتية
وجاء في مضامين الوثيقة -التي طالبت الخارجية الإماراتية بأن تتوافر في الرسائل التي تقدّمها أبوظبي للرأي العام- أن تراعي في الخطاب الإعلامي عدم المساس بالمرأة التونسية، وذلك لـ «كونها تحظى بتقدير مبالغ فيه بالمجتمع التونسي»، على حد وصف الوثيقة.
أيضاً حرصت الإمارات على تصوير النساء التونسيات بأنهن «داعشيات»، حسبما جاء في مضامين الوثيقة، حيث قالت إنه «لا يمكن للسلطات التونسية أن تدّعي بكون النساء اللواتي مُنعن من السفر ذوات مهن مختلفة عن النساء التونسيات الداعشيات، وذلك لكون الداعشيات التونسيات -في ليبيا مثلاً- توجد من بينهن التاجرات والعاملات ونساء التجميل والممرضات والطبيبات».
وتشكّل هذه الوثيقة تعبيراً عن القلق الإماراتي من الأزمة التي نشبت مؤخراً مع تونس، وذلك عندما فُوجئ التونسيون بقرار منع النساء التونسيات من السفر على متن الخطوط الجوية الإماراتية، وهو ما ردت عليه تونس لاحقاً بمنع طائرات «الإمارات» من الهبوط في المطارات التونسية، فضلاً عن موجة غضب شعبية غير مسبوقة في تونس ضد الإمارات، تضمنت العديد من الحملات على شبكات التواصل الاجتماعي.