دبي – وكالات – بزنس كلاس:
نجحت دول الحصار بمضايقة قطر لفترة وجيزة خصوصاً في الأيام الأولى للأزمة مع مباغتتها بحصار شامل من البر والبحر والجو، لكنها فشلت في المحافظة على تماسك الجدار الذي حاولت بناءه لمنع الهواء والماء والغذاء عن الدوحة التي كانت قد استعدت جيداً لمثل هذا السيناريو. لكن ما لم يكن في حسبان دول الحصار، ما ستفعله الدوحة لاحقاً للانعتاق نهائياً من تحكم “الأشقاء” بقوت ومصدر عيش أبناءها.
فقد تبين منذ أيامه الأولى أن النتائج المرجوة من حصار كل من الإمارات والسعودية والبحرين على قطر جاءت عكسية، وأنها تستمر في التفاقم ضدها كلما طالت مدة الحصار. وها هي الإمارات -التي كانت تُعدّ ضمن أكبر الشركاء التجاريين لدولة قطر- تخسر قرابة ملياري ريال من الصادرات نحو الدوحة منذ بداية الحصار، بحسب قراءة متأنية لأرقام التبادل التجاري بين الدوحة والإمارات.
وتشير أحدث الأرقام الصادرة عن «جهاز قطر للإحصاء» إلى تراجع قيمة الواردات القادمة من الإمارات خلال يونيو الماضي بنسبة 42.3 % مقارنةً بالشهر المماثل من العام الماضي، لتستقر عند 492 مليون ريال مقابل 883 مليون ريال في يونيو 2016.
مع العلم بأن أرقام يونيو لا تعكس نتيجة الصادرات الإماراتية نحو السوق القطري خلال الأيام الخمسة الأولى التي سبقت الحصار في الفترة المعنية فقط؛ حيث كانت موانئ الإمارات -وأبرزها ميناء جبل علي- تخزن نحو 5 آلاف حاوية متوجهة للسوق القطري عند بداية الحصار، وقد تم سحب هذه الحاويات بالكامل من الإمارات ونقلها باتجاه ميناء صحار العُماني منذ الأسبوع الأول من الحصار، ليتم نقلها بعد ذلك إلى قطر.
بوابة تجارية
وكانت الإمارات العربية -ومن خلال ميناء جبل علي- تلعب دور بوابة دول المجلس التعاون البحرية، إلا أنها قد تخلّت عن هذا الدور بعد حصارها لدولة قطر وإغلاق مياهها البحرية أمام السفن القادمة من الموانئ القطرية، أو الذاهبة نحوها مهما كان العلم الذي تحمله، ما زعزع صورة الإمارات أمام شركات النقل البحري العالمية ودفعها للتقليص من اعتمادها على ميناء جبل علي في إيصال مختلف السلع إلى الأسواق الخليجية.
وتستورد قطر 80 % من احتياجاتها الغذائية عبر جيرانها الخليجيين، الأمر الذي كان يشكّل مصدر إيرادات مهم للشركات في دول الحصار؛ حيث توجهت قطر نحو أسواق بديلة، وبدأت الشركات العُمانية تصدّر المنتجات نحو الدوحة، مع افتتاح 5 خطوط ملاحية تجارية مباشرة نحو ميناء حمد الذي أخذ يتحول إلى منصة تجارية إقليمية وبدأ في مزاحمة ميناء جبل علي الإماراتي.
كما تدفّقت المنتجات من تركيا والكويت وغيرها من الدول العربية، فضلاً عن اليونان وأذربيجان والهند وغيرها إلى السوق القطرية، إلى جانب ازدهار القطاع الصناعي القطري الذي وجد السوق المحلي مفتوحاً أمامه بالكامل، مع تأمين مخزونات تفيض عن حاجة السوق القطرية للسلع والبضائع، وفي الوقت نفسه دخلت الشركات الخليجية في دول الحصار أزمة أخذت في التصاعد أكثر فأكثر كلما طال الحصار.
5.5 مليارات ريال
وتعد الإمارات أكبر شريك تجاري خليجي لقطر، كما أنها ضمن أكبر 5 شركاء تجاريين لدولة قطر على مستوى العالم، وهو ما يجعلها في مقدمة الخاسرين من الأزمة؛ حيث توقفت الواردات الإماراتية نحو السوق القطري بالكامل خلال شهر يوليو الماضي وأغسطس الحالي، بعد أن سجّلت الإمارات خلال الفترة المماثلة من العام الماضي صادرات بقيمة 1.6 مليار ريال، ما يرفع حجم الخسائر التجارية للإمارات من وراء الحصار إلى ما يتجاوز ملياري ريال.
وفي حال استمر الحصار إلى نهاية العام الحالي، فإن الخسائر المقدَّرة للإمارات بسبب انقطاع التبادل التجاري مع السوق القطري سيصل بحسب تقديرات «العرب» إلى أكثر من 5.5 مليارات ريال.
دعم المنتج الوطني
ومع دعوة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، في خطابه الذي ألقاه يوم 21 يوليو الماضي، إلى تشييد استقلال الاقتصاد القطري عبر فتح المجال أمام تنويع الشراكات التجارية والاستثمارية مع مختلف الأسواق الخارجية؛ هبَّ القطاع الخاص القطري لتحقيق توجيهات سموّه عبر تكثيف الاتصالات مع الأسواق الخارجية لبناء الشراكات الاستثمارية وجلب التكنولوجيا إلى السوق القطري في مختلف المجالات الصناعية.
كما عبّر رجال أعمال ومواطنون ومقيمون، في مختلف التقارير والمتابعات التي أعدتها «العرب»، عن إصرارهم على الاعتماد على الذات وإنهاء الاعتماد على أسواق أجنبية محددة، وخاصة دول الحصار، وكذلك التوجه بشكل مباشر نحو المنتجات والصناعة المحلية.
وفي هذا السياق، أطلق بنك قطر للتنمية عدداً من المبادرات الاستراتيجية التي تدعم القطاع الصناعي القطري للنفاذ أكثر إلى السوق المحلي، مثل مبادرة «مشتريات 1» و»مشتريات 2» و»اشتري المنتج المحلي 1» و»اشتري المنتج المحلي 2».
وفود
كما تسارع نسق زيارات الوفود التجارية من قطر وإليها، أدت إلى توقيع اتفاقيات تجارية واستثمارية، وآخرها كانت زيارة وفد مكون من 100 رجل أعمال قطري إلى تركيا في الأسبوع الثاني من أغسطس، أثمرت بتوقيع 15 اتفاقية تعاون في قطاعات الأدوية الطبية والمواد الغذائية والإنشاءات ومواد البناء والشحن البحري والخدمات اللوجستية والصناعات البلاستيكية والألمونيوم والزجاج والتكنولوجيا والأثاث والتكييف.
وهو ما يشير إلى أن حصة التجارة الخارجية الإماراتية التي خسرتها في السوق القطري لن تعود إليها حتى بعد فك الحصار؛ لأن القطاع الخاص القطري لن يفرّط في مكتسباته الجديدة، وقد أكد رجال الأعمال ذلك في مختلف التصريحات التي أدلوا بهاسابقاً.