نانسي عجرم مُذنِبة حتى ثبات العكس!

 

لا تبدو أحياناً منصفةً الحملاتُ الترويجية الواسعة التي يقودها نجوم الغناء العربي بزخم كبير عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي تمهيداً لإطلاق كل عمل مصوّر جديد في مشوارهم، ففي معظم الأحيان لا تكون النتيجة على قدر التوقعات ولا تقترب ولو قليلاً من تطلعات الجمهور المتابِع أو من مواكبة آخر التقنيات المعتمدة في تصوير الأعمال الغنائية العالمية. وفي وقت ينحاز فيه كثير من المعجبين إلى تمجيد أعمال نجمهم المحبوب بغض النظر عن مستوى العمل الذي يقدّمه سواءٌ لناحية الصوت أو الصورة، تبدو الأغنية المصوّرة الأخيرة لنانسي عجرم بعنوان «حاسّة بيك» حاملةً لأحاسيس كثيرة تكرّس وجودها عبر شبكةٍ من التناقضات العميقة.بأداء مزدوج لشخصيّتين من عالمين مختلفين تماماً، تفتح نانسي عجرم بعدسة ليلى كنعان عيون المشاهد ليس فقط على معالم قصّة فريدة نسجتها عدسة المخرجة ليلى كنعان في شريط «حاسّة بيك»، وإنما أيضاً على مقوّمات فنّانةٍ تتحدّى بنظراتها بعضاً من النجمات المكرَّسات على الساحة التمثيلية المحلّية.

بسِمات الوجه البريء الذي يكتنز أنوثةً لا تحتاج إلى براهين شكلية، استطاعت نانسي أن تخطف انتباهنا وتشدّنا إلى شريط يرتقي إلى مرتبة فيلم سينمائي قصير مكتمل العناصر من أبطال وكومبارس وأماكن تصوير وأكسسوارات مدروسة، حوّلت الفيديو كليب إلى سلسلة مشاهد محبوكة بعناية لتُدخلنا إلى عالم امرأتين لا يجمعهما سوى حب رجل واحد.

من اللحظات الأولى التي تنطلق من مكتب تحرِّ خاص نتعرّف إلى نانسي النجمة السينمائية التي تؤدّي مشهداً تمثيلياً تلعب فيه دور امرأة تكتشف خيانة زوجها بعد العثور على صور تجمعه بعشيقته.

في هذا المشهد تحديداً عرفت نانسي كيف تزيد جرعة التمثيل مُظهرةً ببراعة الفارق بين النجمة السينمائية في حياتها العادية وبين الممثلة التي تقف أمام العدسة، ليتحوّل نمط «المشهد داخل المشهد» إلى عنصر يُضاف إلى كثير من عناصر القوّة في شريط «حاسّة بيك».

وعلى وقع كلمات الأغنية التي أبدع بصياغتها الشاعر خالد تاج الدين وزادها انسيابيةً وجمالاً لحن خالد عزّ وتوزيع طارق مدكور، توالت مشاهد الفيديو كليب بسلاسة وإيقاع تصاعدي في الأحداث والتشويق، متنقلةً بين عالمين مختلفين تماماً، لنتعرّف في المقلب الآخر إلى نانسي ربّة المنزل التقليدية في شكلها والتي لا تشبه النجمة السينمائية في شيء من ترف الإطلالة والأزياء، والتي تبني عالمها بين جدران منزلها وولديها الصغيرين فيما تتناهشها الشكوك والظنون حول علاقة غرامية محتمَلة لزوجها.

هكذا نراها في لقطات مختلفة تصارع والدمعة ابتسامتها فيما تحاول أن تخفي وجعها كامرأة عن عيون طفليها وتصارع لتستمرّ حياتهما بشكل طبيعي بعيداً من الألم.

وبرهافة مشهودة لنانسي في الأداء في كلا الشخصيّتين تتظهّر جمالية الشريط من خلال البناء على شبكة واسعة من التناقضات العميقة بين المرأتين وبين عالمهما المختلفين: امرأة تشتري الخبز وتقيم أعياد الميلاد وتتابع دروس البيانو مع اطفالها وتحضّر مائدة الطعام الصغيرة لولديها وأمرأة أخرى في الجهة المقابلة تعيش النجومية والأضواء وتمضي وقتها بين تصوير المشاهد وإجراء المقابلات.

اما النقطة المشتركة فهي الوحدة والشكوك التي تعيشها كل منهما وهذا ما يفسّر المشهد الوحيد المشترك بينهما حيث تجلس كلّ منهما على سريرها بعدما تنحسر الأضواء من حولها وتسكن الضجّة لتكتشف أنها في النهاية امرأة وحيدة لا يتشاركها كل هذه المشاعر المتطاحنة أحد سوى نفسها.

وفي كل تلك الحالات والمشاعر أبدعت نانسي في ضبط إيقاع نظراتها على وقع أحاسيس الشخصية التي تؤدّيها وتمكّنت ليلى كنعان من خلق هذا العالم الجذّاب لشخصيّاتها وبطلتها وأحسنت اختيار الكاست بدءاً من البطل الذي لعب دور المنتج والزوج والحبيب وصولاً إلى الشخصيات الثانوية التي كانت تظهر في لقطات خاطفة في الخلفية.

نانسي التي لطالما استطاعت أن تقدّم في أعمالها الغنائية المصوّرة فيديوهات ذات جمالية مشهدية أشبه بقطع الحلوى الصغيرة الرائعة المذاق، والتي تألّقت في تقمّص شخصيّات مختلفة من النساء، هي اليوم مطربة متهمة بالتمثيل عن جدارة إلى حين ثبات العكس، وذلك بعدما فتحت شهية المشاهد على رؤية نانسي الممثلة دوماً في شخصيات مختلفة بانتظار أن تقدّم له قالباً كاملاً من الحلوى.

السابق
خلف أبواب «آيا صوفيا» حيث تكمن أسرار الحضارات
التالي
صورة نادرة من زواج كاظم الساهر تثير ضجة واسعة