وكالات – بزنس كلاس:
في يوليو/تموز عام 2007، التقى «روبرت غيتس» وزير الدفاع الأمريكي الأسبق بالملك السعودي آنذاك «عبدالله» في قصره الفخم في جدة. وبدأت الأمسية بمأدبة متعددة الأطباق في غرفة بحجم 6 ملاعب لكرة السلة، مع حمام سباحة بحجم أولمبي في الوسط. وتم رسم السقف فوقها لتبدو وكأنها النجوم، تطل على غرفة مائية ممتدة من الأرض إلى السقف بارتفاع 75 قدما وعرض 30 قدما، مع أسماك غريبة بداخلها، بما في ذلك أسماك القرش.
وبعد الوجبة، التقى «غيتس» والملك مباشرة. ولقد ثار الملك ضد إيران ودفع باتجاه شن هجوم عسكري أمريكي كامل يمتد إلى أبعد من مجرد منشآتها النووية. وهدد بأن السعوديين «سيذهبون بطريقتهم الخاصة» إذا لم تذهب واشنطن إلى الحرب. وكانت إيران، وفق حديث الملك، مصدر مشكلات المنطقة، ويجب التعامل معها بالقوة.
وقد غضب «غيتس» قائلا: «كان الملك يطلب من الولايات المتحدة أن ترسل أبناءها وبناتها إلى حرب مع إيران … كما لو كنا مرتزقة»، وكما لو أن الجنود الأمريكيين يمكن شراؤهم من قبل دول شرق أوسطية للقيام بمهامها. لقد كان يطلب من الولايات المتحدة التضحية بالدم الأمريكي، ولكن لم يقترح في أي وقت أن يتم سفك أي دم سعودي. وكانت أمريكا قد خاضت حربين في المنطقة ولم تكن بحاجة إلى حرب أخرى.
وربما كان «غيتس» أفضل وزير دفاع على الإطلاق، فقد أوضح أنه لا ينبغي لأحد أن يحاول دفع أمريكا إلى حرب لا تحتاجها للقتال لخدمة مصالح بلد آخر. والحذر هنا ليس ضعفا، ولكنه غالبا حكمة. ودائما ما تكون للحرب عواقب غير مقصودة، ومن الجيد أن تضحي بهدوئك لوقف أحدها.
كوارث الماضي
ولسوء الحظ، استمعنا إلى نداء الحرب في الشرق الأوسط في كثير من الأحيان في الماضي. وكانت الحجة هي نفسها دائما، إذا استخدمنا القوة ضد (س) من الدول، فسوف يؤدي ذلك إلى «شرق أوسط جديد» مزدهر، يعيش في سلام، وبدون إرهاب. ولقد أنتج هذا الخيال مرتين حروبا أفادت إيران فقط، وساعدت في جعلها القوة التي هي عليها باليوم.
وفي عام 1982، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي «أرييل شارون» غزو (إسرائيل) للبنان، لتدمير الحركات الفلسطينية، وإخراج سوريا من البلاد، وفرض حكومة مسيحية مارونية في بيروت، ومن ثم تحقيق لبنان مع الأردن السلام مع (إسرائيل). وكان من المفترض من الولايات المتحدة توفير الغطاء الدبلوماسي وقوات حفظ السلام لتسهيل عملية التحول.
وبدلا من ذلك، انغمس الإسرائيليون في بيروت، وانهارت الحكومة المسيحية بعد أن استهدف قصف واحد قائدها، وتم تفجير السفارة الأمريكية مرتين، وتم تدمير ثكنات المارينز الأمريكية. وتخلى الرئيس «رونالد ريغان» عن المشروع.
وأرسلت إيران، التي كانت في السابق معزولة وتحت الهجوم العراقي، فرقة صغيرة من الحرس الثوري إلى سوريا ولبنان، حيث أنشأوا ودربوا «حزب الله» اللبناني. وبعد عقدين من الزمان، أخرج «حزب الله» الإسرائيليين بالكامل من جنوب لبنان، ودمر جيش لبنان الجنوبي الموالي لـ(إسرائيل). وأصبحت إيران لاعبا قويا في كل من سوريا ولبنان، وهي الآن أقوى من أي وقت مضى في بيروت ودمشق.
وفي عام 2003، وعد زعيم آخر بشرق أوسط جديد، وهو «أحمد الجلبي»، أحد زعماء المعارضة العراقية، الذي وعد «جورج بوش» و«ديك تشيني» بأن الحرب لإزاحة «صدام حسين» ستكون موضع ترحيب من قبل الشعب العراقي، وتؤدي إلى السلام مع (إسرائيل)، وتفتح الباب لتغيير النظام في دمشق وطهران. وقد تم تجاهل علاقات «الجلبي» الحميمة مع المخابرات الإيرانية بشكل تام من قبل المحافظين الجدد. لكن الأمر لم يسفر سوى عن كارثة.
وتعثرت أمريكا في حرب في العراق، وما زالت غير قادرة على الهروب. ولم يتبع ذلك أي سلام مع (إسرائيل). ولم تبدأ أي محادثات. وبدلا من ذلك، أصبحت إيران القوة الخارجية البارزة في العراق.
وهذه المرة، ينبغي القول أن السعوديين حذروا أمريكا من أن الحرب ستعطي العراق لإيران على صينية من فضة، مما يزيد من نفوذ الهلال الإيراني.
ويرجع صعود إيران لتصل إلى الهيمنة الإقليمية في جزء كبير منه إلى تداعيات أحداث عامي 1982 و2003. وقد وظفت طهران أوراقها بذكاء، ولكنها كانت مستفيدة أكثر من أخطاء الآخرين، أكثر من كونها ذكية.
تكرار الأخطاء
وتنتهك إدارة «ترامب» الآن خطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران. ولقد فرحت الحكومتان السعودية والإسرائيلية على حد سواء بقرار الإدارة، لكنهما يريدان أكثر من ذلك بكثير؛ حيث ينتظران على الأقل تغيير السلوك الإيراني بالقوة، وفي أحسن الأحوال إسقاط النظام في طهران، على الرغم من عدم توفر بديل يعكس مكاسب إيران في بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء.
ويضغط الآن رئيس الوزراء الإسرائيلي «بيبي نتنياهو» مع ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» على الولايات المتحدة للقيام بأكثر من مجرد تمزيق الاتفاق. وكلاهما يواجهان إيران وحلفائها في الحروب الأهلية في سوريا واليمن التي لا نهاية لها في الأفق. وكلاهما في مواقف صعبة محليا، ويتطلعان إلى الأمريكيين للحصول على المساعدة. ولقد وعدت (إسرائيل) في كثير من الأحيان باتخاذ إجراء أحادي الجانب ضد برنامج إيران النووي. وفي تهديد غريب، مثل تهديد «عبدالله» لـ«غيتس»، توعد «بن سلمان» بأن المملكة العربية السعودية ستحصل على القنبلة النووية إذا تحصلت عليها إيران.
والدرس المستفاد من اجتماع «غيتس» في عام 2007 له صلة وثيقة بوضع اليوم. فقد يكون من الحكمة أن يتخلى الشعب الأمريكي عن هدوئه إذا ما استمعت الإدارة إلى أولئك الذين يتوقون إلى إرسال الأمريكيين إلى طريق الأذى لمتابعة الأوهام.
وقد اتخذت الإدارة قرارا سيئا بانتهاك خطة العمل الشاملة المشتركة، وبهذا فقد تم فتح الطريق إلى تكرار كوارث عامي 1982 و2003.