الدوحة – وكالات:
أكد الدكتور مارتن بونتون، الخبير الكندي في سياسات وتاريخ الشرق الأوسط بجامعة فيكتوريا، أن هناك أوجه تشابه كثيرة بين حالتي قطر وكندا في أزمتهما مع السعودية، مشيرا إلى أن كليهما نتج من سياسات الاندفاع والبلطجة الخاصة بالرياض، حيث تحاول أن تفرض نفسها كقوة مهيمنة تسعى لعزل من تتخيل أنهم أعداء لها.
وأضاف في حوار مع صحيفة الشرق القطرية أن تصرفات المملكة العربية السعودية تحمل في كلتا الحالتين إمكانات مماثلة في رد الفعل، لأنها في نهاية المطاف تسبب لنفسها ولمواطنيها أكبر قدر من الضرر أو الأذى. وبالنظر إلى أوجه الشبه، قد تتعلم كندا بشكل مفيد من تجربة قطر، فعلى سبيل المثال، فإن قطر تستحق الثناء لأنها لم تستجب لفرض الحصار الذي تقوده السعودية باعتماد تدابير انتقامية خاصة بها من شأنها أن تعمق فقط الصدع الدبلوماسي.
وأوضح الدكتور بونتون أن هناك بعض الاختلافات الواضحة بين الحالتين، فقد كانت قطر تعتمد بشكل كبير على الواردات من المملكة العربية السعودية وأيضا من خلال الإمارات العربية المتحدة، واضطرت للتحرك بسرعة كبيرة للحفاظ على تدفق السلع وفتح طرق تجارية جديدة وتشجيع الإنتاج المحلي. وعلى النقيض من ذلك، فإن التجارة الثنائية بين كندا والمملكة العربية السعودية لا تذكر.
وقال الخبير الكندي في سياسات وتاريخ الشرق الأوسط: إن الأمر عندما يتعلق بالدفاع عن حقوق الإنسان، فإن ذلك طبيعي جدا بالنسبة لكندا ولا يوجد شيء غير عادي في ذلك، وخاصة في دعم امرأة — سمر بدوي — التي حظيت باحترام دولي ولها أقارب يعيشون في كندا، فشقيقها أيضا ناشط سعودي ومتزوج من مواطنة كندية. لكن هناك سمات محددة للطريقة التي فسرت بها السعودية انتقاداتها الأخيرة التي قد تساعد في تفسير الأزمة الحالية.
وأشار إلى أن أحد جوانب النقد الكندي الأخير الذي يبدو أنه أزعج الحكومة السعودية كثيراً هو أنه كان علنيا وأخذ شكلا توجيهيا في صياغته. وبدلاً من استخدام قنوات دبلوماسية، كان استخدام كندا لوسائل الإعلام الاجتماعية للإصرار على إطلاق سراح بدوي بشكل فوري وهذا الأمر رأته الرياض يعتبر تدخلا غير مبرر. وبالنظر إلى عدم قدرة المملكة السعودية على تحمل أي نقد، فقد شعرت بالحاجة إلى الرد بقوة.
رد فعل مبالغ فيه
وحول تصعيد المملكة للأزمة، نبه البروفيسور الكندي، إلى أن الكثير من المراقبين أكدوا بأن رد الفعل القاسي للمملكة العربية السعودية ليس في الحقيقة موجه لكندا. بل هي فرصة استغلتها سلطات الرياض لإرسال رسالة واضحة إلى دول أخرى، وإلى المواطنين السعوديين، مفادها أنه لن يتم التسامح مع النقد، لأن اعتماد سلوك متشدد ضد كندا قد يردع دولاً أخرى، خاصة الدول الأكثر انتقادا للسياسات السعودية مثل دول أوروبا على سبيل المثال. علاوة على ذلك، ربما حسبت سلطات الرياض أنها سوف تستفيد على المستوى الداخلي من هذه الفرصة لإثبات قوتها الخاصة والتأكيد على أنها مسئولة فقط عن وتيرة واتجاه الإصلاحات في المملكة العربية السعودية. وهذه هي الرسالة التي أرادتها السلطات الجديدة عندما قبضت على سمر بدوي بسبب نشاطها في المقام الأول. وألمح إلى أن دعم واشنطن للرياض قد شجعها على تأكيد سياسة خارجية أكثر عدوانية خلال العام الماضي، خاصة وأن الإدارة الأمريكية تدخل بالطبع في معارك تجارية مع رئيس الوزراء الكندي. لكن السلطات السعودية قيدت نفسها في زاوية، لأنها لا يمكن الآن تقبل أو رؤية أنها تستسلم لأي ضغوط. ومع ذلك، فإن المواطنين السعوديين هم الذين يعانون أكثر من غيرهم.
ضياع مستقبل الطلبة
وحول ضياع مستقبل الطلبة السعوديين بعد وقف البرامج التعليمية والطبية في كندا أو حتى المرضى الذين يتلقون علاجا هناك، قال بونتون:” رغم أن هذا يمثل خسارة للجامعات الكندية، التي يساهم فيها الطلاب الأجانب بقدر كبير، على العديد من المستويات. لكن بالطبع الطلاب السعوديون الأكثر تضررا من هذا الخلاف الدبلوماسي المتصاعد، وأشعر بالأسف على وجه الخصوص. ورغم أن المسؤولين السعوديين يعدون بوجود مساحات للطلاب في المؤسسات التعليمية في دول أخرى، إلا أن هذا القول ليس بالسهل فعله. فالعديد من الطلاب قلقون بشأن مستقبل برامجهم التعليمية، وسيكون العديد منهم حزينًا لمغادرة كندا. بهذا المعنى، إنها طلقة حقيقية في قدم المملكة العربية السعودية”. وأشار إلى أن حالة الاضطراب في حياة الطلاب السعوديين الذين يدرسون في كندا، تقريبا هي نفس الحالة التي حدثت عند فرض الحصار على قطر.
وأوضح بونتون أنه في هذه المرحلة ستفقد بعض الجامعات الرسوم الدراسية العالية التي يدفعها الطلاب الأجانب، وسيفقد بعض التجار الأسواق السعودية، وقد تفقد بعض شركات النفط والتعدين وربما الأسلحة العسكرية بعض العقود، ولكن من السابق لأوانه معرفة كيف سيتكشف كل شيء. وبشكل عام، فإن احتمال حدوث ضرر اقتصادي في كندا أقل بكثير من الضرر المحتمل الذي قد يلحق بالاقتصاد السعودي نفسه. وأكد على أن الرد المتشدد من قبل سلطات الرياض على أي تدخل أو نقد خارجي لن يساعد جهودها الحالية على فتح الاقتصاد السعودي أمام الاستثمار الأجنبي، حيث بدأ رجال الأعمال الدوليون في النظر بعدم الثقة والخوف من ردود الفعل المتهورة من سلطات السعودية. ويميل المستثمرون إلى تقدير القدرة على التنبؤ والاستقرار في صنع سياسة الحكومة.
صفقة مثيرة للجدل
ونبه الأستاذ في جامعة فيكتوريا الكندية إلى أن صفقة المركبات المدرعة الكندية التي وقعت بين الرياض وأوتاوا عام 2014 توفر سياقًا أساسيًا للأزمة الحالية، لأنه تم توقيع الصفقة بقيمة 15 مليار دولار من قبل حكومة المحافظين السابقة في كندا، في الوقت الذي بدأت فيه ألمانيا مراجعة وتعليق مبيعاتها من الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية.
وعندما وقعت الحكومة الليبرالية الحالية تصاريح التصدير الضرورية للسماح للصفقة بالمضي قدما في عام 2016، تعرضوا لانتقادات حادة من الكنديين الذين رأوا بأن الصفقة انتهكت القيود التي تفرضها الحكومة على صادرات الأسلحة في الحالات التي يوجد فيها انتهاك كبير لحقوق الإنسان. ودافعت الحكومة الليبرالية عن قرارها بالمضي قدما في الصفقة بالقول إن الحكومة الكندية تحتاج إلى الثقة في دعم العقود التي كانت قد وقعت عليها من قبل.
وأشار بونتون إلى أنه منذ ذلك الحين، كانت كندا مترددة في الدخول في علاقات وثيقة مع الحكومة السعودية. وكان هذا مزعجاً جداً للسعوديين حيث كان من المفترض أن تكون تلك الصفقة بمثابة علامة على تعميق الصداقة. وبدلاً من ذلك، كان هناك شعور بالذنب بشكل متزايد، وبالتالي حاولت الحكومة الكندية أن تنأى بنفسها عنهم. ولذا، من المهم أن نرى الأزمة الدبلوماسية الحالية في سياق العلاقات المتوترة خلال العامين الماضيين.
نقلاً عن صحيفة الشرق القطرية