تساءل الكثيرون: لماذا لا نبني مصعداً ضخماً بدلاً من إرسال الصواريخ إلى الفضاء؟ ولمحاولة تقريب الإجابة، فلنتخيل برجاً مجوفاً تُماثل جدرانه سُمك ورقة رقيقة، مصنوعاً من أقوى وأخف المواد بالعالم بطول 22 ألف ميل وعرض 12 ميلاً.
ما تخيَّلتَه الآن هو في الواقع المصعد الفضائي الموعود، كما وصفه آرثر كلارك في رواية الخيال العلمي “ينابيع الجنة” عام 1979.
وشكَّلت رواية كلارك أول تناول رائج للفكرة والتي وُصفت عام 1895 من قِبَل العالم الروسي “قسطنطين تسيولكوفسكي”.
وتصَّور تسيولكوفسكي قلعة سماوية، مربوطة إلى الأرض بواسطة برج ضخم، وفي عام 1960 قدم مهندس روسي يُدعى يوري أرتسوتانوف وصفاً يشمل تصوراً أكثر حداثة للفكرة.
وبحلول عام 1975، نشر المهندس جيروم بيرسون ورقة بحثية تقنية عن هذا المفهوم.
محاولات الإنشاء
تعهَّدت مؤسسات كبيرة، مثل وكالة ناسا الفضائية وشركة “سبايس إكس”، بإرسال بشر إلى المريخ في المستقبل القريب، وتملك كل منهما التكنولوجيا الفريدة الخاصة بها في عملية التطوير؛ لتمكين مثل هذه الرحلة.
وحتى الآن، تعد الطريقة الوحيدة للوصول إلى الفضاء، والمتبعة منذ عام 1960 عبر صاروخ ضخم.
ولكن هذه الصواريخ التقليدية أثبتت عدم فاعليتها؛ إذ إنها تتطلب كميات هائلة من الطاقة للخروج من الأرض، كما تستهلك تقريباً معظم الوقود في مواجهة القصور الذاتي، وقوة سحب الغلاف الجوي.
ومن هنا، بدأ العلماء البحث عن وسيلة بديلة أكثر كفاءة في استهلاك الوقود، وأقل تكلفة.
وتُعد فكرة مصاعد الفضاء من أكثر الأفكار الواعدة في مجال النقل الفضائي على الساحة حالياً، ويسعى المصممون لدمج عدة مواصفات لتتوافر بالمشروع، مثل: التدرج، والتكلفة المنخفضة، والجودة والسلامة، والأهلية للركوب؛ بغرض تقديم وصول آمن إلى الفضاء على نطاق تجاري، يُشبه عملياً استقلال قطار إلى الفضاء.
وبُذلت محاولات لا تُحصى؛ لإتقان المحاولة الأولى لإنشاء مصعد فضائي صالح للعمل، وهو الحلم الذي بزغ منذ فجر عصر الفضاء.
ومن الناحية النظرية، فإن المصعد الفضائي يُفترض أن يعمل على النحو التالي: يُسافر الراكب عبر مركبة مُتصلة بكابل، ويُوصل الكابل بثقل موازن، يقبع في بيئة منعدمة الجاذبية.
وحتى الآن، لم يتمكن أحدٌ بعدُ من اختبار مصاعد تعمل بطاقتها كاملة في الفضاء الخارجي بنجاح، ويرجع السبب في ذلك إلى عدم وجود مادة قوية بما فيه الكفاية؛ تعمل بمثابة الرابط أو حبل الاتصال.
وكشفت دراسات أن أنابيب الكربون النانوية carbon nanotubes، التي كانت تُعلق عليها بعض الآمال، ليست قوية كفاية لتقوم بالمهمة، ولذلك تتجه الأنظار حالياً إلى خيوط الماس النانوية Diamond Nanothreads، كما تتوقع بعض المؤشرات أن المواد اللازمة لصناعة الرابط أو الحبل المطلوب لتنفيذ الفكرة؛ ستتطور بحلول عام 2030.
العصر الذهبي للسفر إلى الفضاء
ووفقاً لما أوضحته دراسة حديثة نُشِرت في مجلة New Space، فإن المواد المطلوبة لتصنيع الحبل الذي يبلغ طوله 100 ألف كم، ستُصبح متوافرة قبل عام 2030.
وكشفت أن هذه المواد غير المتاحة حالياً، يجب أن تكون فائقة القوة والمرونة؛ لتُيسر الوصول إلى الفضاء بتكلفة مُنخفضة، وتكون بمثابة مفتاح الدخول إلى العصر الذهبي الجديد للسفر إلى الفضاء.
كما يؤكد الباحثون أن هذه المواد ستجعل من المُمكن أيضاً إطلاق الأشخاص والأقمار الاصطناعية والمركبات الصغيرة حول المدار الثابت للأرض بشكل أرخص بكثير من الطُرق الحالية.
كما تجعل البعثات التجارية والحكومية أكثر جدوى، وتُمهد الطريق لبناء مُستعمرات الفضاء؛ إذ سنتمكن من إيصال الإمدادات إلى الفضاء بطريقة أرخص.
التجربة اليابانية
صمم فريق من العلماء اليابانيين في جامعة “شيزوكا”، تكنولوجيا مصعد الفضاء الخاصة بهم، والتي يُرمز إليها بـ”STAR-C”، وقد بُنيت على أساس تشييد قمر اصطناعي صغير، يعمل عمل كابل توصيل يربط بين كوكبنا ومحطة فضاء في مدار الأرض.
وكُشف عن النموذج الأولي للتصميم باليابان في 8 يونيو/حزيران 2016، واحتوى على مسبار يزن 2.66 كغم، ويتكون من مكعبين يبلغ طول كل منهما 10 سنتيمترات، متصلان بحبل طوله 100م، مصنوع من مادة تُسمى “كيفلار”، وهي مادة قوية ذات قدرة تحمل عالية.
وسيُنقل “STAR-C” إلى محطة الفضاء الدولية، ثم يُطلق من وحدة كيبو “Kibo”، المملوكة من قِبل وكالة استكشاف الفضاء اليابانية.
وبمجرد وصوله للفضاء، سينفصل المكعبان المكونان له بعضهما عن بعض؛ من أجل اختبار حبل “الكيفلار” في أثناء تحرك أحدهما بعيداً عن الآخر.
ومن المُتوقع أن تُوفر نتائج هذه التجربة معلومات مفيدة، تُسهم في تحسين وتطوير مفهوم مصعد الفضاء، وتقديم رؤية واضحة حول الاعتبارات التي يجب مُراعاتها في المراحل المُستقبلية.
أول مصعد كندي
ومؤخراً، مُنِحت شركة كندية براءة اختراع باسم “المصعد الفضائي”، ستُطلق من خلاله البضائع إلى إحدى طبقات الغلاف الجوي، ثم تُستكمل منها عملية الإطلاق على نحو أكثر سهولة.
وأوضحت الشركة أن المصعد سيُخفض من تكلفة رحلات الفضاء بمقدار الثلُث؛ لأن المكوكات لن تُصبح في حاجة لحمل كميات هائلة من الوقود، لترتفع بنفسها فوق سطح الأرض.
وعلى الرغم من كون المصعد لا يصل مباشرة بالفضاء، فإن المُخططات تُشير إلى أن هذا المصعد سيكون أعلى من أطول برج صنعه الإنسان في العصر الحالي، “برج خليفة في دبي”، بنحو 20 مرة.
وعلى الجانب الآخر، يُمكن استخدام البُرج في أغراض البحث العلمي والاتصالات، وتوليد طاقة نظيفة من توربينات الرياح المُثبتة عالياً، إلى جانب فتح آفاق وإمكانيات جديدة في مجال سياحة الفضاء.
لمزيد من الفهم والإيضاح حول الموضوع، ومعرفة تفاصيل أكثر، شاهدوا هذا الفيديو عن طريقة عمل مصاعد الفضاء.