وكالات – بزنس كلاس:
بدأ المسؤولون السعوديون يضربون أخماساً بأسداس بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بالخروج من الاتفاق النووي مع إيران، القرار الذي وصفه البعض بالمتهور. ورغم أن هذا القرار يعتبر فرصة ذهبية للإدارة الأمريكية في إدارة مفاوضات نووية ناجحة مع الرياض لصالح واشنطن، إلا أن الأمر لن يكون كذلك بالنسبة للسعودية. فالبلدان تتفاوضان على اتفاقية تعاون نووي، لكن نقاط الخلاف تشمل ما إذا كان السعوديون سيوافقون على التخلي عن تقنيات الاستخدام المزدوج ومستويات التخصيب التي يمكن استخدامها لإنتاج الأسلحة النووية. وبالنظر إلى ادعاء إدارة «ترامب» بالانسحاب من الاتفاق الإيراني بسبب مخاوف انتشار الأسلحة النووية، فإن لديها الآن نفوذا لتطبيق السياسة نفسها على الرياض.
وتأمل الإدارة في تقديم اتفاق نهائي مع المملكة للحصول على موافقة الكونغرس بحلول منتصف يونيو/حزيران. ويعد مثل هذا الاتفاق ضروريا للولايات المتحدة؛ لنقل المواد أو المعدات أو المكونات النووية الكبيرة من الولايات المتحدة إلى السعودية، وقد يساعد ذلك الشركات الأمريكية مثل «ويستنغهاوس» على أن تكون ضمن القائمة المختصرة في وقت لاحق من هذا العام لبناء أول مفاعلين نوويين في البلاد. ومن خلال تقديم الاتفاق بحلول منتصف يونيو/حزيران، تكون الإدارة قد لحقت بالموعد النهائي للقائمة المختصرة المختارة، بالإضافة إلى توفير المتطلبات القانونية التي يملك بعدها الكونغرس 90 يوما لرفض الاتفاق أو الموافقة عليه تلقائيا.
ولم يثبت بعد صدق ادعاء «ترامب» بأن قرار الانسحاب من الاتفاق الإيراني يقوي موقفه في التفاوض على اتفاق أفضل مع إيران. لكن «ترامب» قد يثبت أنه يريد حقا منع سباق التسلح في الشرق الأوسط من خلال الإصرار على إحكام الشروط في اتفاقية التعاون النووي مع المملكة العربية السعودية، والتي ستجعل من الصعب على الرياض استخدام برنامج الطاقة النووية لأغراض صنع الأسلحة.
ومن القضايا البارزة في المحادثات، ما إذا كان السعوديون سيوافقون على التخلي عن تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة الوقود وهما تكنولوجيتان للاستخدام المزدوج، يمكن استخدامهما لإنتاج وقود يمكن استخدامه في المفاعلات النووية، ولكن يمكن استخدامهما أيضا لإنتاج اليورانيوم عالي التخصيب أو البلوتونيوم المنشطر اللازم لصناعة الأسلحة النووية. وقبل عقد من الزمن، تعهدت دولة الإمارات، جارة إيران والسعودية، بعدم الانخراط في أي أنشطة تخصيب أو إعادة معالجة، سواء كانت المواد أو التسهيلات مقدمة من الولايات المتحدة أو غيرها. لكن السعودية قاومت تقديم تعهد غير مشروط مماثل. أما عن تدابير منع الانتشار الأخرى التي قد تضمن عدم استخدام برنامج الطاقة السعودي لأغراض صنع الأسلحة، فتشمل اعتماد البروتوكول الإضافي، وهو الاتفاق الذي يوفر للوكالة الدولية للطاقة الذرية المزيد من المراقبة وحقوق الوصول، والاعتماد على الموردين الأجانب للحصول على الوقود النووي طوال فترة حياة المفاعل، وعودة الوقود المستهلك من المفاعل إلى المورد.
الصفقة السعودية
ولضمان التوصل إلى اتفاقية مع الولايات المتحدة يمررها الكونغرس، قد يتفق السعوديون على امتناع اختياري عن التخصيب وإعادة المعالجة. ولكن لكي لا تتراجع المملكة كثيرا خلف قدرات إيران، فمن المرجح أن تربط تعهداتها بأنشطة تخصيب إيران. وفي مقابلة في منتصف شهر مارس/آذار، حذر ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان»، قائلا: «بدون شك، إذا طورت إيران قنبلة نووية، فسوف نتبعها في أقرب وقت ممكن». وبالنظر إلى أن الولايات المتحدة قد خرجت للتو من الصفقة الإيرانية، فمن غير الواضح إلى أي مدى ستلتزم إيران بقيود التخصيب.
ووفقا لإعلان الرئيس «ترامب»، فإن الولايات المتحدة ستعيد فرض عقوبات صارمة على إيران، وتدرس فرض عقوبات جديدة. وإذا أعادت إدارة «ترامب» فرض جميع العقوبات النووية المتعلقة بالولايات المتحدة، بما في ذلك العقوبات الثانوية التي تستهدف التجارة الدولية مع إيران، فستجد البلدان الأوروبية صعوبة بالغة في التعامل مع طهران. وفي ظل مثل هذه الحالة، قد تقرر إيران أن السبب الرئيسي للانضمام إلى الاتفاق، وبالتحديد الانتعاش الاقتصادي من خلال الاستثمارات الأجنبية، لا يمكن تحقيقه، وبالتالي تنسحب من الاتفاق. ولا يعني هذا أن إيران ستبدأ على الفور في التخصيب فوق نسبة الـ 5% المتفق عليها في الاتفاق، لكن رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية «علي أكبر صالحي» قال إنه إذا اتخذت إيران مثل هذا القرار، فستحتاج فقط إلى 4 أيام لتكثيف النخصيب إلى نسبة 20٪.
وفي وقت قد تستثمر فيه الإدارة الفرصة لبحث إمكانية توسيع المفاوضات من أجل الفوز بتنازلات تخص حظر الانتشار النووي، قد ترغب الرياض في التحرك بسرعة أكبر، أو قد تقرر العمل مع شركة غير أمريكية، تضع قيودا أقل على قدراتها على التخصيب وإعادة المعالجة. لكن هناك سبب ضعيف عمليا في مواجهة الكثير من الأسباب السياسية والدبلوماسية الأخرى لكي لا تفعل ذلك. ومع ذلك، حتى في حالة استمرار المملكة العربية السعودية في جدولها الزمني، يمكن للصناعة النووية الأمريكية أن تلعب دورا مهما. فعلى الرغم من أن صفقة المفاعل سوف تنتج الإيرادات الأعلى، فإن هناك العديد من المجالات المهمة الأخرى التي يمكن للولايات المتحدة من خلالها المساعدة في البرنامج النووي السعودي، من تطوير شبكة الطاقة الكهربائية، وبناء البنية التحتية ذات الصلة، إلى تدريب الموظفين، وتطوير هيئة تشريعية مستقلة تختص بالطاقة النووية.
وستكون الإدارة حكيمة إذا ما نسقت بين الاستراتيجيات الخاصة بكل من برنامجي الطاقة النووية بالنسبة لكل من إيران والسعودية. ويعد الهدف الرئيسي هو منع الدولتين من امتلاك القدرة على صنع أسلحة نووية والتنافس في سباق التسلح النووي. ويمكن لبقية الأمور أن تنتظر.