بدون إنترنت أو شاشات عرض.. استمتع بالطعام المنزلي في “مشروع مطعم” من خامات معاد تدويرها بالكامل

 

باستخدام إطارات سيارات قديمة، وبعض الأخشاب المعاد استعمالها في قبو بناية قديمة على مشارف القاهرة الخديوية، أنشأ شاب وفتاة مطعماً صديقاً للبيئة من حيث الشكل والمضمون، وهو ما لاقى استحسان قاصدي وسط العاصمة.

على خلاف المتعارف عليه في المطاعم الحديثة، قرر الصديقان مهندس الميكانيكا بيشوي رفعت، والمرشدة السياحية كاترين رأفت أن يقيما مطعماً باستخدام أدوات أعيد تدويرها بالكامل، بداية من المكان نفسه إلى الطاولات والمقاعد والأرفف.

كما قررا أن تكون الأطعمة المقدمة أطعمة منزلية، وهو ما ميز مطعمهما عن المطاعم المجاورة له بحسب رواد المطعم.

على أنغام إحدى أغنيات كوكب الشرق أم كلثوم، تطهو كاترين داخل المطبخ المكشوف وجبة الدجاج التي طلبها منها للتو أحد الزبائن.

تقول كاترين إن “فكرة المطعم جاءت عندما أردنا أن يكون هناك مكان يعيدنا إلى الطبيعة من حيث الطعام أو الديكور، فأنشأنا مطعماً مصنوعاً بالكامل بمواد أعيد تدويرها، علاوة على أننا أردنا أن نكون مطعماً صديقاً للبيئة يقدم طعاماً صحياً للزبائن”.

صنعت ديكورات المطعم بالكامل من مواد معاد تدويرها، فالمقاعد صنعت من بالتات خشبية، والمكتبة أيضاً، فيما صُنعت الموائد من إطارات السيارات القديمة بعد طلائها، أما الأرضيات ففرشت بحُصر من الخوص والسجاد اليدوي، وفي زوايا المكان وضعت قلل قديمة، وتليفون قديم، ما يعطي انطباعاً بأن المكان ينتمي لحقبة زمنية قديمة.

ويتميز المكان بإضاءته الخافتة والشموع البيضاء الصغيرة التي وضعت منها واحدة على كل طاولة سوداء قصيرة.
وصمم المطبخ على الطريقة الأميركية، إذ يبقى مكشوفاً للزبائن دون حائل عن الطاولات سوى برخامة كبيرة تراصت عليها برطمانات زجاجية كبيرة، وأدوات مطبخ مصنوعة من مادة الاستانلس.

ويقول المهندس بيشوي رفعت “استخدمنا البرطمانات الزجاجية الفارغة كما نفعل في منازلنا لتخزين المواد الغذائية كنوع من إعادة تدوير الأشياء. نحن نحاول التقليل من استخدام البلاستك داخل المكان، وكذلك الإلكترونيات.

وتابع “حتى زيوت الطعام لا نتخلص منها، بل نصنع منها شموعاً ومواد نظافة كالصابون حتى لا تسبب أضراراً بمرافق الصرف الصحي حال إلقائها”.

ينزع بيشوي معطفه ويعلقه على أحد الكراسي المصنوع من البراميل القديمة الموضوعة أمام المطبخ، ليدخل ليساعد شريكته في إعداد الطعام للزبائن.

وأضاف الشاب البالغ عمره 30 عاماً “عندما أردنا أن ننشئ مطعماً قررنا ألا يكون مماثلاً لما حولنا. أردنا أن نقدم شيئاً جديداً للمجتمع، بداية من الطعام الذي يقدم طازجاً يوماً بيوم، وحتى الخدمة، إذ نتعامل مع زبائننا كضيوف جاؤوا إلى منزلنا، فبعضهم يشاركنا في إعداد الطعام”.
يقدم المطعم أطباقاً مميزة من عدة مطابخ حول العالم، خاصة تلك غير المتعارف عليها في مصر.

كما لا يوجد تلفاز داخل المكان، إنما مجرد شاشة صغيرة لعرض الأفلام المنتقاة بعناية، ولا يوجد أيضاً شبكة إنترنت أو محمول لوجود المطعم في قبو إحدى البنايات القديمة.


مطعم في القبو
وبني المطعم نفسه في قبو بناية من سبعة طوابق في شارع جانبي هادئ على مشارف وسط القاهرة الخديوية، التي تعرف في مصر باسم “وسط البلد”.

وقال المهندس رفعت “المكان نفسه أعيد تدويره. تحول من قبو صغير أغرقته مياه الصرف إلى مطعم منتج”.

ويسترجع الشاب الثلاثيني الحكاية “قمنا بإصلاح السباكة به وبنائه بالطوب الحراري، الذي يلطف من درجة الحرارة، وبحكم دراستي وعملي السابق قمت بإعادة توزيع الهواء بداخله، بحيث يكون معتدلاً طوال فصول السنة، لأننا لا نستخدم المكيفات، فقط نستخدم شفاط الهواء ومروحة لترطيب الجو أثناء الصيف، لذا لا يشعر زبائننا بدرجات الحرارة المرتفعة في الخارج”.

ولا يزال المطعم يحمل اسماً غريباً بعض الشيء “مشروع مطعم”، رغم أنه مطعم منتج قائم بالفعل.

وتقول كاترين بسعادة “عقب الثورة لم يعد هناك فرص عمل كثيرة في قطاع السياحة، وأنا لست معتادة على أن أبقى بدون عمل، وهو نفس ما حصل مع بيشوي في مجال هندسة الميكانيكا”.

وتابعت وهي تنظر لشريكها الذي كان يغسل صحوناً بيضاء مكومة على الحوض “قررنا عمل مشروع، مجرد مشروع يمكن أن ندبر به مصاريفنا… ومع اختيارنا لفكرة المطعم أصبح مشروع مطعم”.
“في زمن آخر”

هذه الأجواء المميزة والمغايرة للرتم السائد في المطاعم الأخرى جذبت عددا كبيرا من الزبائن الذين أضحوا يترددون على المطعم بشكل شبه يومي.

وبالنسبة للمسوق هيثم محمد (30 عاماً) فإن المطعم بمثابة “واحة راحة يهرب إليها بنهاية يوم عمل طويل وشاق”.

يقول محمد وهو يهم لتناول طبق بيض بالبسطرمة يتصاعد البخار منه إن “أكثر ما يميز المكان هو أنك تشعر بأنك في منزلك، فالطعام لا يختلف كثيرا عما تصنعه لي والدتي، كما أن ديكور المكان يساعدك على أن تأخذ راحتك في الجلوس، وتصميماته تعيدك مرة أخرى إلى الطبيعة”.

ويلتقي محمد بأصدقائه بشكل شبه يومي في المطعم الذي أصبح أخيراً مقصداً لكل أحبائه.

وأضاف “لكن المميز حقاً في المكان أنك تشعر بأنك في زمن آخر تماماً، فعدم وجود وسائل اتصال -حيث لا توجد شبكة إنترنت أو حتى موبايل- يساعدني أكثر على التواصل مع الأصدقاء”.
ويرعى أصحاب المطعم قطة صغيرة أليفة تدعى كليوباترا، تثير بهجة وروحاً مختلفة بين الزبائن الذين يحرصون على التقاط صور عديدة معها، وهو ما يريح كاترين التي تحاول دوماً منعها من مضايقة الزبائن.
وفيما كانت كاترين تزيح كليوبترا عن طبق محمد، قال الأخير مبتسما “بمجرد الدخول إلى المطعم تشعر براحة شديدة، فهدوء المكان يؤهلك إلى ذلك على عكس المطاعم الأخرى التي تكون عادة مزعجة وصاخبة، فهذا المطعم يتميز بالهدوء والديكور البسيط والطعام المنزلي ليربطنا به فتشعر وكأنك بمنزلك”.

وكثيراً ما يشارك الزبائن في إعداد الطعام بأنفسهم فيزاحمون الطاهي الخجول ألبير رأفت في مساحته الضيقة داخل المطبخ”.

ويعرف ألبير عن ظهر قلب طلبات زبائنه الدائمين، فتراه يعد من تلقاء نفسه فنجان القهوة باللبن حتى دون أن يطلبه محمد.

هذه الأجواء الدافئة بين الزبائن والعاملين بالمطعم تضيف رونقاً مختلفاً له بين مصاف المطاعم الصغيرة في القاهرة.

السابق
مَن الكاهنة التي تنبأت بتقلبات الشتاء في السعودية و”المخبول” الذي باع عباءته في شمال المملكة ووسطها؟
التالي
عاصي الحلاني يصور أغنية لبنانية في رومانيا