لندن – وكالات – بزنس كلاس:
لا تفكر حتى في السفر على رحلة صباح يوم الأحد من دبي إلى الرياض. وينطبق الشيء نفسه على رحلات بعد ظهر يوم الخميس.
حسب صحيفة “الغارديان” البريطانية يتم حجز رحلات هذين اليومين من قبل المصرفيين، والمستثمرين، والمحامين، والشركات، والمحاسبين، ومستشاري العلاقات العامة، الذين يفضلون قضاء عطلة نهاية الأسبوع في دولة الإمارات العربية المتحدة، ولكن هؤلاء يعرفون جيداً أن الأعمال التجارية الكبرى يمكن القيام بها في المملكة العربية السعودية.وتقول الصحيفة إنه من المقرر إجراء تحول اقتصادي ضخم في المملكة، كما أن عروض الاستثمار تستحق قضاء بضعة أيام مع عصير الفراولة في فندق فاخر من فئة الخمس نجوم في العاصمة السعودية.
وتعكف المملكة العربية السعودية على خصخصة أصول الدولة، التي تبدو “ثورة ثاتشر” في الثمانينيات قزم إلى جانبها، وتتنافس في الأهمية والاتساع مع قيمة الأصول السوفيتية في تسعينيات القرن الماضي. وقد علقت لافتة “للبيع” على كل قطاع تقريباً من الحياة الاقتصادية السعودية: (النفط، والكهرباء، والمياه، والنقل، والتجزئة، والمدارس، والرعاية الصحية). ومن المقرر أن يتم بيع أندية كرة القدم في المملكة.
ويمثل برنامج البيع جزءاً أساسياً من خطة التحول الاقتصادي المرتقبة في إطار استراتيجية رؤية 2030. فقد أدى ثبات أسعار النفط حول 50 دولاراً للبرميل إلى استنزاف واتساع فجوة العجز في الموازنة السعودية. بينما كي نصل إلى نقطة التعادل المالي الوطني يجب أن يصل سعر البرميل إلى 75 دولاراً.
لكن في غضون 13 عاماً، إذا سارت الأمور وفق الخطة المرسومة، فستصل المملكة إلى نقطة الاستقرار المالي، مع اقتصاد ومجتمع أكثر ديناميكية، وأقل اعتماداً على النفط والإنفاق الحكومي، ومع وجود قطاع خاص مزدهر يُطلق العنان لروح المبادرة لدى السعوديين والسعوديات.
وتقول “الغارديان” إن تطبيق مثل هذه الخطة ليس أمراً بسيطاً بالطبع، إلا أن تنفيذ هذه الخطة بالنسبة لاقتصاد غارق في عقلية العائدات الريعية منذ ثلاثينيات القرن الماضي —عندما تولى حكم البلاد آل سعود وتم اكتشاف البترول- لن يكون أقل من إحداث ثورة اقتصادية كبرى في البلاد.
ويُعد طرح شركة “أرامكو” السعودية —وهي شركة النفط الوطنية ومصدر معظم ثروات المملكة- للاكتتاب العام محور خطة الخصخصة إجمالاً. فإذا تم المضي قدماً في عملية البيع وفقاً للقيمة التي أقرها الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي وصاحب رؤية 2030، وهي تريليونا دولار، فسترتفع قيمة الشركة في الأسواق العالمية بمقدار 100 مليار دولار، في ظل تنافس بورصتي لندن ونيويورك على تحقيق أكبر قدر من الربح من خلال طرح أسهم الشركة للاكتتاب العام، فضلاً عن سوق الأوراق المالية في الرياض “تداول”.
إنه مبلغ ضخم للغاية، إذ يُعد أربعة أمثال أكبر طرح للاكتتاب العام على مرِّ التاريخ. ومع ذلك، لا يمثل هذا المبلغ إلا نصف القيمة التقديرية لباقي خطة الخصخصة. وقال محمد التويجري، الرئيس السابق لبنك HSBC، الذي يشغل الآن منصب نائب وزير الاقتصاد والتخطيط في السعودية، في وقت مبكر من هذا العام، إنه يتوقع زيادة عائدات الدولة بقيمة 200 مليار دولار بعد تطبيق خطة الخصخصة خلال الأعوام القليلة القادمة.
وعلى الرغم من تصريح التويجري بأن لديه “صورة واضحة وضوح الشمس” لاستراتيجية الخصخصة، فإن الجميع ليس لديه هذه الصورة الجلية للطريق الذي ستسلكه المملكة. فهناك أسئلة دائماً ما تُثار حول الدوافع الحقيقية لهذه الخطة، وكذلك الأطر القانونية والتنظيمية التي ستحكم هذه الخطة، بالإضافة إلى الشكل الذي ستتم به عملية الخصخصة، هل سيكون طرحاً للاكتتاب العام، أم صفقات خاصة لنقل الملكية، أم مبيعات تجارية لغير السعوديين؟
يقول ناصر الصعيدي، وزير الاقتصاد السابق للبنان، ويعمل حالياً مستشاراً اقتصادياً، وقاد محاولة فاشلة لخصخصة قطاعات اقتصادية كبيرة في بلاده أوائل العقد الأول من الألفية الجديدة: “عندما تتجه للخصخصة، يجب أن تتوافر لديك خطة عمل قانونية وتنظيمية، وهما غير متوفران في السعودية حتى الآن”.
ولكن بقدر ما هنالك من فرص متاحة للخصخصة، هناك أيضاً بعض المشكلات الخطيرة المرتبطة بعملية بيع أصول طالما نُظر إليها على أنها جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والثقافي للبلاد. يقول الصعيدي “إن سيطرة القطاع الخاص على التعليم، وبالأخص إذا كان تعليماً أجنبياً، سيكون أمراً ثورياً في المملكة. فهل سيتمكن المستثمرون في مجال التعليم من التحكم في وضع المناهج الدراسية؟ من شأن ذلك أن يتعارض بشكل كبير مع الموروث الثقافي والحضاري للمملكة”.
للتغلب على مثل هذه الأمور الحساسة، هناك أصول أخرى أكثر علمانية، لا ترتبط بموروث ديني أو ثقافي مثل محطات الطاقة، ومحطات تنقية المياه، والبنية التحتية للطرق والمواصلات، هي أكثر ملاءمة لبرنامج الخصخصة.
وبدأت بالفعل عملية بيع مطارات المملكة للقطاع الخاص، فقد تم تعيين شركة “غولدمان ساكس” للإشراف على خصخصة مطار “الملك خالد” الدولي في الرياض. بينما تمت خصخصة مطار “الملك عبد العزيز” في جدة بالفعل، بعد فوز مجموعة “تشانغي” السنغافورية لإدارة المطارات بصفقة تشغيله.
إن مشكلة التدخل الأجنبي برمتها محفوفة بالمخاطر. فقد جرت العادة أن الأجانب الذين يريدون إقامة مشاريع تجارية في المملكة، لابد لهم من اتخاذ شركة سعودية أو مواطن سعودي “كشريك”، ما يؤدي إلى تبادل للاتهامات بالفساد وعدم الكفاءة.
وتغيرت هذه القواعد في بعض القطاعات كقطاعات تجارة التجزئة والجملة، والقطاعات الهندسية، ومؤخراً قطاعات الصحة والتعليم، ولكن هناك مساحات كبيرة من الاقتصاد السعودي غير مقصورة على الملكية الأجنبية الكاملة في الوقت الراهن، مثل قطاعات الطاقة والدفاع والإعلام والاتصالات.
كما أن هناك عقبات أخرى لا بد من التغلب عليها. بعض السعوديين، وليس فقط الإسلاميون المتعصبون، انتقدوا خطة الخصخصة باعتبارها تخلياً عن موروث وطني أكثر منه صفقة اقتصادية، أو بمثابة الطلب منهم بيع شيء هم يملكونه بالفعل. فهناك بعض المستشارين الماليين يتهكمون على استفادة الدولة من برنامج خصخصة التعليم العام بجملة “أخبر سعيد”، وهي حملة تعليمية انطلقت في ثمانينيات القرن الماضي.