عواصم – وكالات:
ونقل الموقع، عن مصادر في البلاط الملكي، قولها إنّ حجم حملة القمع، التي أسفرت عن اعتقالات جديدة، هي أكبر بكثير مما اعترفت به السلطات السعودية، مع اعتقال أكثر من 500 شخص، مشككة بإمكانية مضاعفة هذا العدد.
وقد تم إلقاء القبض على أفراد من العائلة المالكة، ووزراء، ورجال أعمال في موجة مفاجئة من الاعتقالات قادها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، تحت شعار حملة لمكافحة الفساد.
وقال الكاتب البريطاني دايفيد هرست، رئيس تحرير موقع “ميدل إيست آي”، في تقرير خاص، اليوم الجمعة، إنّ “بعض، ولكن ليس كل كبار الشخصيات المعتقلين، تم إخضاعهم لأسوأ معاملة وحشية، يعانون من جروح بأجسامهم، من جراء أساليب التعذيب الكلاسيكية”.
ولفت إلى عدم وجود جروح على وجوه هؤلاء، حيث لن تظهر أي علامات جسدية عن تعرّضهم للتعذيب بحال ظهورهم في العلن في وقت لاحق.
وتعرّض بعض المعتقلين للتعذيب، من أجل الكشف عن تفاصيل حساباتهم المصرفية، بحسب الموقع، الذي أشار إلى عدم قدرته على عرض تفاصيل محددة عن الإساءة التي تعرّض لها هؤلاء، حماية للمصادر التي أخفت هويتها.
ولفت الموقع إلى أنّ عملية التطهير هذه، والتي تلت حملة اعتقال بحق رجال دين وكتاب واقتصاديين وشخصيات عامة، تثير حالة من الذعر في العاصمة السعودية الرياض، وخاصة بين أوساط أولئك المرتبطين بالنظام السابق للملك عبد الله الذي توفي في عام 2015، مع انتقال السلطة إلى أخيه غير الشقيق الملك سلمان.
ويخشى كثيرون، وفق الموقع، أن يكون الهدف الأساسي من الحملة سعي محمد بن سلمان لإقصاء جميع المنافسين داخل وخارج بيت سعود، قبل أن يحلّ محل والده البالغ من العمر 81 عاماً.
وذكرت مصادر لـ”ميدل إيست آي”، أنّه تم الإفراج، ليلة الأربعاء، عن سبعة أمراء من فندق “ريتز كارلتون” في الرياض، موقع احتجاز المعتقلين، منذ يوم السبت، وتم نقلهم إلى قصر الملك.
وكان تقرير لوكالة “رويترز” أشار إلى تجميد أصول ابن عم ولي العهد الأمير محمد بن نايف الذي لا يزال قيد الإقامة الجبرية، كما تم اعتقال أبناء سلطان بن عبدالعزيز، وتجميد أصولهم.
ومن أشهر من تم اعتقالهم، الأمير بندر بن سلطان، السفير السعودي السابق لدى واشنطن والمقرّب من الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش.
ولا يزال مصير بن سلطان غير معروف، بيد أنّ السلطات السعودية قالت إنّ إحدى قضايا الفساد التي يتم النظر فيها، تتصل بصفقة الأسلحة المعروفة بـ”صفقة اليمامة” التي شارك فيها الأمير بندر.
واشترى الأمير بندر قرية بأكملها في كوتسولدز، وهي منطقة خلابة في وسط إنكلترا، وألفي فدان من العقارات الرياضية، بواسطة جزء من عائدات العمولات التي حصل عليها من صفقة اليمامة، والتي كسبت فيها الشركة البريطانية المصنّعة “بي إيه إي” 43 مليار جنيه إسترليني (56.5 مليار دولار) عن عقود طائرات مقاتلة.
ويُدّعى أنّ مبلغ 30 مليون دولار أميركي (15 مليون جنيه إسترليني) قد دفُع إلى حساب بندر بالدولار في بنك “ريغز” بواشنطن، وأدت هذه القضية إلى تحقيقات فساد في الولايات المتحدة وبريطانيا، على الرغم من أنّ القضية أسقطت في بريطانيا في عام 2006، بعد تدخّل من قبل رئيس الوزراء آنذاك طوني بلير.
ومن بين المعتقلين أيضاً ريم، ابنة الوليد بن طلال، وهي المرأة الوحيدة التي تم استهدافها في آخر جولة من الاعتقالات.
أرصدة مجمّدة
كما كشفت مصادر في الرياض، لـ”ميدل إيست آي”، أنّ محمد بن سلمان أمر بتجميد الحسابات المصرفية الخاصة، لمنع آخرين من الفرار من المملكة، مشيرة إلى أنّ عدد الحسابات المجمّدة، وعدد الممنوعين من السفر، يفوق بكثير عدد الأشخاص الذين تم اعتقالهم.
وقال هيرست في التقرير، إنّ “أحداً لم يكن يتوقّع حدوث حملة قمع بهذا الحجم، وضدّ أمراء بأقدمية ورفعة في بيت سعود، ولهذا السبب تم القبض على كثيرين من هؤلاء المعتقلين على حين غرة، حيث لم يكن لديهم وقت للفرار”.
ولفت إلى أنّ حملة التطهير هذه بحق أفراد بالعائلة المالكة، لم يسبق لها مثيل في تاريخ المملكة الحديث، مشيراً إلى أنّ وحدة العائلة المالكة التي ضمنت استقرار الدولة منذ تأسيسها، قد تم تهشيمها.
وذكّر بأن آخر حدث بهذا الحجم يعود إلى الإطاحة بالملك سعود من قبل شقيقه الأمير فيصل في عام 1964، ففي مرحلة من تلك الملحمة، أمر الأمير فيصل الحرس الوطني بإحاطة قصر الملك، ولكن من دون المس بالملك نفسه أو إهانته، حيث تم تأمين مخرج آمن لضمان كرامته، شهد قيام جميع الشخصيات البارزة، بمن فيهم الأمير فيصل نفسه، بالتلويح له خلال توديعه في المطار.
وتعهّد محمد بن سلمان، قبل أن يصبح وليّاً للعهد، بالقول: “أؤكد لكم، لن ينجو أحد في قضية فساد، كائناً من يكون، حتى لو كان أميراً أو وزيراً”.
غير أنّ المستهدفين اليوم، هم أبناء جميع الرجال الأربعة الرئيسيين في بيت سعود الذين شكّلوا جوهر الأسرة الحاكمة خلال العقود الأربعة الماضية، وهم أبناء الملك فهد بن عبد العزيز، والملك عبد الله، والأمير سلطان، والأمير نايف.
ويمثّل ذلك، بحسب هيرست، هجوماً غير مسبوق على موقع وثروة أركان آل سعود، بمن في ذلك الأشخاص الثلاثة الأكثر بروزاً في عشيرة السديري الحاكمة.
والملك سلمان هو أحد سبعة أشقاء من السديري، العشيرة التي هيمنت على المملكة على مدى السنوات الـ40 الماضية. أما السديري الآخر الناجي، فهو أحمد بن عبد العزيز، الذي تم تهميشه.
وتولّى سلمان عرش المملكة فقط لأنّ اثنين من أشقائه الأربعة، سلطان ونايف، توفوا وهم أمراء ولاية العهد، وبهذا مهد عبوره نحو السلطة، كما ذكر تقرير سابق لـ”ميدل إيست آي”، حيث توفي الملك عبدالله قبل توقيع ونشر مرسوم يقضي بإقصاء سلمان عن خط الخلافة.
إهانة علنية
في الثقافة البدوية، هجوم بن سلمان على أبناء عمومته لن يُنسى أو يُغفر، فإهانتهم العلنية، فضلاً عن تجميد أصولهم، تُعتبر استهدافاً لشرفهم، حيث يتعيّن على أفراد أسرهم الناجين من حملة التطهير الانتقام لهم.
كما أنّ هجوم ولي العهد على الشخصيات البارزة في مجال الاقتصاد، ينطوي على مخاطر مماثلة، بحسب هيرست.
ولفت إلى أنّ أحد الذين تم جمعهم واعتقالهم، يوم السبت، هو بكر بن لادن، رئيس أكبر شركة إنشاء وإعمار في السعودية، والذي تمكّن من إدارة أكبر برامج البناء على مدى عقود، عن طريق تعامله مع سلسلة مقاولين متعاقدين يدفع لهم بشكل مباشر.
وبن لادن غني بما فيه الكفاية لاستيعاب تكاليف هؤلاء، حتى أنّه يقوم بـ”رشوة” مسؤولين في الحكومة للدفع لهم مقابل عمل أصلي وعقود وافقوا عليها.
وبمجرد إزالة رجل أو شركة على رأس هرم مقاول فرعي، لن يتلّقى أحد تحت مرتبته أي أجر، ما يعني المخاطرة بإلقاء قطاع البناء بأكمله في حالة من الفوضى، بحسب هيرست.
وذكّر بأنّ الشيء نفسه حدث لشركة “سعودي أوجيه”، وهي الشركة التي يملكها سعد الحريري الرئيس السابق للحكومة اللبنانية، والتي أعلنت إفلاسها في 31 يوليو/ تموز الماضي.
وأشار هيرست إلى أنّه تم القبض، خلالة حملة التطهير، على بعض الوزراء الذين روّج لهم محمد بن سلمان.
وأوضح في هذا الإطار، أنّ وزير التخطيط والاقتصاد السابق عادل فقيه، كان على رأس حربة الخطة الطموحة التي طرحها بن سلمان للخصخصة، والمعروفة باسم “رؤية 2030″، كما كان له دور رئيسي في الإعلان عن مشروع “نيوم”، المدينة الكبرى المقترحة، والمدعومة بمبلغ 500 مليار دولار أميركي من الأموال الحكومية، والتي سيتم بناؤها على ضفاف البحر الأحمر.
واعتُقل فقيه، محافظ جدة السابق، في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني. ولاقى المصير نفسه، عادل الطريفي، وزير إعلام ولي العهد.
وفي دلالة رمزية، تم الإعلان عن إطلاق مشروع “نيوم”، من فندق “ريتز كارلتون”، حيث تم احتجاز الأمراء منذ يوم السبت.
ورأى هيرست أنّ العديد من أصدقاء محمد بن سلمان، لا بد أنّهم يسألون أنفسهم حالياً عن المدة التي يملكونها قبل أن ينقلب الأمير الطموح عليهم.
ويقول أحد المحلّلين إنّ “محمد بن سلمان، من خلال ضربه أساسات وحدة الأسرة الحاكمة، فضلاً عن الأوليغاركيين (رجال الأعمال بنفوذ سياسي)، واستهدافه علماء مسلمين مستقلين وشخصيات عامة، يحوّل بنادقه إلى الأقطاب التقليدية للدولة السعودية”.
وفي السياق، قال مصدر مطلع في الرياض، الليلة الماضية، للموقع: “حتى الآن، استخدمت المملكة السعودية الفوضى كسياسة في محيطها الخارجي، سواء في العراق أو سورية أو في اليمن. ومع ذلك، فإنّها تنفّذ الآن نظرية الفوضى في الداخل أيضاً، ولا أحد، ما عدا الأمير نفسه، يمكن أن يكون متأكداً مما سيحدث الآن”.
وأضاف أنّ “استقرار المملكة بُني على ثلاث ركائز: وحدة أسرة آل سعود، والطابع الإسلامي للدولة، وازدهار مجتمع الأعمال المحلي الموالي. ومن خلال ضرب الثلاثة جميعاً في آن واحد، فإنّ خطر غرق المملكة في الرمال، مرتفع للغاية”.