رميات طائشة تثبت عجز الاستهداف وخور قوى الرامي
تحويل الأزمات إلى فرص تخصص غير مقرر على الفشلة
تطمينات المسؤولين القطريين عن حال الريال تثبتها الوقائع وليس الكلام
بزنس كلاس – باسل لحام
مع توالي فصول “العاصفة” الخليجية على قطر وتعدد سيناريوهات المحاصرة والمقاطعة وشد الخناق يبرز سلاح “الاقتصاد” كأداة لم تك جديدة في تكتيكات الغزوات والمعارك السياسية التي طالما استهدفت أعداء تقليديين، في حين تتكشف اليوم حلقات من التجييش والعسكرة القطاعية التي ترابط على تخوم أصدقاء الأمس أعداء اليوم.
رمية طائشة
ولتكون الرمايات دقيقة وفاعلة كان ” الريال القطري” محور دائرة بنك الأهداف ما سيفضي حكماً إلى انتشار عدوى الخسائر والهبوط والتراجع والجمود إلى كافة المفاصل الإنتاجية والخدمية وبالتالي تعطيل دورة الحياة وشل المرافق العامة.وصولاً إلى ضخ حالة من عدم الثقة في قطر وعملتها أمام المستثمرين الأجانب نتيجة التداعيات الاقتصادية للمقاطعة العربية للدوحة ،حيث ضربت بروبغاندا الشائعات والتوقعات بحدوث موجة نزوح جماعية للاستثمارات من الدوحة مع توقف ضخ الشركات والمؤسسات للاستثمارات الجديدة.
وفي الوقت الذي ضخت المكنات الإعلامية ومازالت مزيدا من جرعات الإحباط البنكية والمصرفية الدولية التي تشي بأن عدة بنوك دولية أعلنت عن إيقاف التعامل بالريال القطري للعملاء الأفراد حيث تفرض المقاطعة الدبلوماسية ضغوطاً متزايدة على العملة، ما زالت ردود أفعال قطع العلاقات مع قطر، وتحجيم التجارة والاقتصاد تلقي بالمزيد من الظلال على الحياة الإقتصادية داخل قطر وعلى رأسها الريال القطري.
أمام كل هذا الضجيج يبدو الحراك العلني والرسمي للكثير من البنوك المركزية غير معترف بشبهات إصدار تعليمات تجميد التعامل مع الريال القطري، وحظر التعامل مع أشخاص وكيانات على صلةٍ بقطر، ومع ذلك راح محللون واقتصاديون ومراقبون يثبتون حقيقة أن العملة القطرية لم تفقد كثيرًا من قيمتها وسط هذه الضغوط، في الوقت يؤكد فيه الأغلبية أن الدوحة قادرة على حماية عملتها لمدةٍ طويلة.
تطمينات بالأرقام والوقائع
وربما يشعر المتابع للوهلة الأولى أن انهيارًا حادًا شهده الريال، إلا أنه – وبالنظر إلى قيمة عملة البلاد نجدها – بالرغم من الهبوط تبدو بحالةٍ جيدة. وهنا يأتي خطاب سعادة الشيخ عبد الله بن سعود آل ثاني محافظ مصرف قطر المركزي، ليشكل عباءة طمأنة وارتياح مطرزة بالأرقام والمعطيات الحاسمة لجهة الثبات والقدرة على المقاومة في ظل قطاع مصرفي يتمتع بالكفاءة والقوة، حيث أثبتت اختبارات الضغط أن تأثر القطاع بأكثر الضوابط تشددا يكون في أضيق الحدود ولا يمثل مخاطر كبيرة على قدرته في الاستمرار، نظرا لما يمتلكه من كفاية رأس المال وانخفاض في نسب الديون غير المنتظمة، فضلا عن تمتعه بالسيولة والربحية.
قد تشير إيضاحات “الحاكم بأمر الريال” على عدم وجود أزمة سيولة لدى الجهاز المصرفي القطري بأي شكل من الأشكال، إلا أن ما تعكز عليه برهان قاطع على ودائع البنوك التي تزيد على 3ر39 مليار ريال. وللعلم لم يك عنصر الثقة عاملاً وحيداً لتأتي جرعة الإجراءات الاحترازية لمواجهة التأثيرات السلبية “دشماً” ومتاريس بوجه الحصار والضغوط من قبيل المراقبة اليومية لمستويات السيولة والتحويلات النقدية بالجهاز المصرفي، وإجراء اختبارات الضغط بافتراض أسوأ السيناريوهات، والمراقبة الدقيقة لحركة الودائع والتعاملات في النقد الأجنبي، ووضع خطط طوارئ لمواجهة أي مخاطر محتملة.
رسائل مباشرة
ولأن لإطلالة أي حاكم مصرف مركزي في العالم قوة تأثير فاعلة في مفاصل وأدوات السوقين المالية والمصرفية فإن الإيماءة والإشارة وتفاصيل الوجه وحدها كفيلة بإيصال الرسائل الهادفة التي وصلت في بعض الشخصيات إلى مستوى رفع وانخفاض السعر، فكيف الحال ونحن أمام استبسال لأن تكون “حنفية” السيولة والإقراض والضخ النقدي مضبوطة على إيقاع الترشيد العقلاني والتي ساهمت وفق التقارير ببقاء حجم الاحتياطات الدولية لمصرف قطر المركزي جيدة وتتوافق مع النسب العالمية، في وقت يسجل حجم الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية لدى المصرف علامة “الممتاز” ويغطي حاجة السوق.
وكي تكون ضمانات عدم تراجع الريال القطري تجاه الدولار الأمريكي والمحافظة على التدفقات النقدية بالدولة موثوقة، فإن “عمداء و حكماء القطاع البنكي والمصرفي القطري” بعثوا ببريد “يشرح صدر” شيوخ كار السوق ومشغليه وشركات المال وذوي التوظيفات والاستثمارات ومشغلي الأيدي العاملة متخم ببيانات كفاية الاحتياطيات الدولية للدولة بصفة عامة ولدى المصرف بصفة خاصة تمثل حائط الصد المنيع والضمان الأكيد لثبات سعر صرف الريال أمام الدولار الأمريكي، كما أن الفوائض التي يشهدها كل من الحساب الجاري والحساب الرأسمالي وميزان المدفوعات القطري تدعم تلك الاحتياطيات.
حالة استنفار وطوارئ
وحتى تكون شهادة أم المصارف” غير مجروحة في أدبيات التعاطي مع الشأن النقدي والمالي العام ولاسيما أنه مرتبط بفخامة “الريال” كانت خلية النحل داخل أروقة البنوك مشغولة ومازالت في استنفار يرمي إلى تحقيق الاستقرار المالي بالدولة عبر آليات وطرق منها: إصدار التعليمات الرقابية إلى الجهاز المصرفي والمالي بدولة قطر بهدف تعزيز الثقة المالية لهذا الجهاز وزيادة قدرته على مواجهة المخاطر المالية المحتملة، في وقت أصدر المصرف تعليماته الخاصة بالمبادئ التوجيهية حول عملية التقييم الداخلي لكفاية رأس المال، والحاجة إلى إضافة احتياطي مساند للتقلبات الدورية حتى الآن لمتطلبات كفاية رأس المال، كما يستخدم المصرف أدوات السياسة الاحترازية الجزئية والكلية بحيث يتم تقييم البنوك والمؤسسات المالية الأخرى بشكل دوري، فضلا عن أن البيانات المقدمة من تلك المؤسسات إلى مصرف قطر المركزي تتم مراجعتها من قبل مدققين خارجيين كجزء من التدقيق الكامل في نهاية العام.
استراتيجيا ثلاثية الأبعاد
وبغض النظر عن الخطوات الاسعافية الطارئة لا يمكن إغفال خطة المصرف الاستراتيجية لتنظيم القطاع المالي بالدولة، والتي ثبتها الحاكم بالقول : “يوشك مصرف قطر المركزي على إطلاق الخطة الاستراتيجية الثانية لتنظيم القطاع المالي (2017-2022)، حيث تأتي هذه الاستراتيجية نتيجة الجهد المثمر والتعاون بين الجهات الرقابية الثلاث (المصرف المركزي، وهيئة قطر للأسواق المالية، وهيئة تنظيم مركز قطر للمال) وفي ضوء رؤية قطر الوطنية 2030 وقيام القطاع المالي والمصرفي بدور فعال في تحقيق هدف التنويع الاقتصادي وزيادة مساهمة القطاع الخاص في إجمالي الناتج المحلي”. و”تبني هذه الاستراتيجية على ما تحقق في الاستراتيجية الأولى، بالإضافة إلى تعزيز التعاون التنظيمي والإشرافي بين الجهات سواء في تطبيق المعايير الدولية في مجال العمل المصرفي، حيث سيتم استكمال تطبيق معايير /بازل3/، وتعزيز البنية التحتية للنظام المالي وزيادة كفاءة الأسواق وحماية مستخدمي الخدمات المالية والمستثمرين”. وتتضمن الاستراتيجية الجديدة أحدث الوسائل في كشف ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والتركيز على تطوير العنصر البشري في القطاع المالي وخلق كوادر تتمتع بمعايير المهنية العالمية.
تعليمات مشددة
إفادة سعادة الشيخ عبد الله بن سعود آل ثاني عولت على البعد النفسي الذي يبدو أنه جلب ثماراً في “تهدئة سر وسريرة” القطاعات واسترخاء المواطن على قاعدة الثقة “بأولي الأمر” ففيما يتعلق بالاتجاه نحو إصدار أدوات الدين الحكومي كإصدار السندات وأذونات الخزينة والصكوك، أوضح المحافظ أن المصرف بدأ بإصدار الأدوات لأسباب تتعلق بالسياسة النقدية مثل إدارة السيولة في الجهاز المصرفي وبناء منحنى العائد للريال القطري، كما أن الحكومة تستخدمها أيضا في تمويل الموازنة كأحد المصادر المتاحة. ليردف بأنه ليس من دولة أو أي مؤسسة مالية أو مصرفية في دولة قطر بما فيها شركات الصرافة، قد توقفت عن بيع الدولار أو أي عملة أخرى، ربما حاول البعض أن يستغل الأزمة، لكن تعليمات المصرف المشددة في هذا الشأن مثلت رادعا لمثل هذا السلوك”.
بالعموم ومع كل جوانب الخطورة والتأثر القائمين على جسامة الحملة الخليجية تجاه “الريال القطري” إلا أن ثمة من يرى في التجربة التي لم تنته بعد وقد تكون في أوجه دروساً لا ضير من حفظها والاشتغال عليها للمراحل القادمة ، ففي الجبهة الداخلية وميادين الإنتاج المحلية فرص للاستقواء بالذات والانتصار على المحنة بحصانة العملة الوطنية التي تصدق مقولة “الضربة التي لا تميت تزيد قوة” على الريال واقتصادياته.